هي دماغنا دي مزرعة تجارب... كل يوم والتاني يطلع لنا مشتاق شهرة يضرب أي طلقتين في الهوا عشان الريتش يزيد والدولارات تكتر وكل سنة وأنتم طيبين .. زادت تلك الفئة بيننا وبتنا في صراع مؤلم أثناء ملاحقة ومحاصرة مدى الأذى الذي نتعرض له من جرأتهم المفرطة وهبداتهم المدمرة فتارة يعيدون صياغة التاريخ وأن اعتقادك اللي استمر سنين بأن هذا البناء اسمه الهرم مش صحيح دي قطعة جنبة "نستو" واتحجرت ويسوق لك الأدلة حتى تصبح في حالة فكرية مزرية قد تمنعك من الوصول بسلام إلى البيت لصعوبة تذكر العنوان.
وتارة أحدهم يعيدون إحياء الدين الذي يتصورون أنه مات أو انحسر أتباعه فيبدأون في تذكيرك أن اتجاه الصنبور إن لم يكن متطابقا مع اتجاه القبلة تكن الصلاة مكروهة أو باطلة على عهدة اليوتيوبر فلان أو الشيخة فلانة صاحبة المواهب الدعوية.
وتارة يعيدون صياغة معاني لمسلمات في حياتك الاجتماعية بحيث يسيرون معك بمنطق وقانون "الشريك المخالف" المهم أن تشعر باستفادة وهمية تنتهي بك إلى الارتباك الشديد تجاه ما تعتقد أنه مسلمات لتصاب بحالة من الإدمان في متابعة الفيديوهات الجديدة لتحصيل ما فاتك بعد أن ضيعت عمرك سدى وأنت على جهل ومش بعيد بعد كام فيديو كده تلاقي نفسك أستاذ وتؤسس قناة وتحط بصمتك.
شيء مقرف ومقزز بعد أن تسببت تلك الشخصيات حين اصطنعوا مسارات موازية لمؤسساتنا الراسخة التي شابت وهي تؤسس طريقا يحيميه سياج من الأكاديمية والمهنية والعلمية تصون عقولنا من هوى المشتاقين وتصد عنا شبق المفلسين فلماذا يبدو اليوم متاحا وبسهولة أن يؤسس أنصاف المتعلمين وأصحاب الغرض أكاديميات شيطانية تعبث بما استقرت عليه أكاديميات عاشت قرونا ومن يحمي تراثنا سواء السياسي والديني والاجتماعي من إعادة صياغة الجاهلين والحاقدين وعبث مشتاقي الشهرة وراغبى المتابعة والـ"سابسكريب" ولماذا يضيع جهد مؤسساتنا الراسخة كان من الممكن أن يكون لإضافة قيمة أو استيعاب جمال في الرد على هذا أو مجادلة أو التحذير من دعوى فلان أو شبهة علان على مرأى ومسمع من العامة الذين قد يكون الانصراف عن تاريخنا هو النتيجة الحتمية للتخلص من هذا الصراع الذي ينشئ حالة داخل كل نفس بأن الموضوع برمته "فنكوش" ولا يستحق المتابعة وكم من مجرمين بحق أنفسهم قبل أن يخطئوا في حقنا فقدوا تلك القيمة فبات كل شيء هين أمامهم واستحلوا بذلك القتل والاغتيال المعنوي واستباحوا مجتمعا كان آمنا يتحرك أغلبه بلغة مشابهة ويحيا حياة مشابهة.
إن هذا الإرباك يبدو أنه مقصود متعمد فحين يهون معنى الوطن يضيع وينتقل سكانه لخانة أعدائه دون إدراك وحين تتداعي قداسة الدين يتصاعد الإلحاد ويسهل النزاع وحين نكذب التاريخ يطرح جانبا ولا يستفاد من دروسه وعبره ومن هنا ندخل في حالة تقزم تجاه نفوسنا بعد أن نجح هؤلاء العابثون في هدم كل أركان "شخصية" ظل قرونا طويلة يحاول أعداؤها هدمها أو السيطرة عليها.
وينجح هؤلاء التافهون بهذا الأسلوب في أن يقضموا من لحمة المجتمع ونسيحه القضمة وراء القضمة حتى يعيدوا بناءه بقناعات إن لم تكن مغلوطة فهي تؤسس لعداء تجاه المجتمع ومن ثم الوطن وبتنا اليوم وبيننا من هم على قناعة بأن تدمير الوطن ثمن يسير أمام إعادة بنائه على أساس سليم وعلى الرغم من تطابق تلك الكذبة في دول ومجتمعات أخرى مازال البعض على قناعة بها ويعيش بيننا وهو كاره متربص ليحقق حلمه.
نعم المشكلة عويصة معقدة ففقدان المرجعيات أخطر الأسلحة الفاسدة التي يبثونها بين المجتمعات المستهدفة حيث يتحول المجتمع المتماسك إبى جزر منعزلة أو متقاتلة أو على الأقل متشككة يمكن استمالتها ليعمل الجميع ضد مصلحة الجميع دون أن يلتفت إلى ذلك أحد وعلى الرغم من التشابك والتعقيد في هذا الرصد إلى أن الحل بسيط ومجرب وليرفع الجميع شعار لا صوت يعلو فوق صوت الأكاديميات وإن كان لأحد شبهة أو اجتهاد فليتقدم به إلى تلك المؤسسسات أولا لا أن يسوق إلى العامة جدالا قد يضرهم أكثر ما ينفعهم كما أنه من الواجب على الجميع حين أن يطلب هدى أو إرشادا أن يطلبه من أهله وهم القابعون في تلك المؤسسات الأكاديمية والذين أفنوا أعمارهم في تحصيل المعراف التي تسمح لهم أن يسبروا أغوار الحقائق والمفاهيم ومواجهة المزيف منها والمغرض ليعود للمجتمع في النهاية سلامه النفسي والديني والاجتماعي بدلا من أن يأكل بعضنا بعضا وعدونا يتربص بمن يتبقى من في النهاية.