لماذا بعض الظن إثم؟.. حديث نبوي وتحذير مهم من الإفتاء

في فتوى مهمة أصدرتها دار الإفتاء المصرية كشفت عن المراد بقوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، مبينةً أن بعض الظنون قد ترتقي إلى مرتبة الإثم، بل تُعدّ من كبائر الذنوب لما يترتب عليها من آثار سلبية خطيرة تمسّ أعراض الناس وسلامة المجتمع.
ما هو الظن المحرَّم شرعًا؟
أوضح الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر والمفتي الأسبق، أن المقصود بالظن في الآية هو سوء الظن بالناس دون بيّنة أو قرينة، أي أن يحمل الإنسان تصرفات الآخرين على محمل السوء من غير دليل، وهذا منهيٌّ عنه في الشريعة الإسلامية، لأن الأصل في المسلم البراءة والسلامة، لا الاتهام والريبة.
وقد جاء التحذير الإلهي صريحًا في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضًا﴾.
تفسيرات العلماء: لماذا بعض الظن إثم؟
فسّر الإمام ابن كثير الآية بقوله: "المراد بالظن هنا هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير موضعه، لأن بعضه يكون إثمًا محضًا فيجب اجتنابه احتياطًا"، كما جاء في تفسيره.
أما الإمام الطاهر بن عاشور، فوضح في تفسير "التحرير والتنوير" أن المقصود بالآية هو الظن المتعلق بأحوال الناس بغير دليل، وأن بعض الظنون قد تؤدي إلى أفعال محرمة مثل الغيبة والتجسس، وبالتالي تتحول هذه الظنون إلى معاصٍ ظاهرة، حتى إن لم تُترجم إلى قول أو فعل، فإن مجرد اعتقادها في القلب يوقع صاحبها في الإثم.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم يحذّر من الظن
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«إيّاكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» [متفق عليه].
الظن المحرم بداية للذنوب الكبرى
بيّن العلماء – كما في شرح "فتح الباري" للحافظ ابن حجر – أن الظن المحرّم هو ما يُبنى على تهمة لا دليل لها، كمن يتّهم إنسانًا بالفاحشة أو السرقة أو غيرها بلا دليل. وهو ما يُوقع الإنسان في دائرة الغيبة أو التجسس أو العدوان، مما يجعل الظن مدخلًا إلى الكبائر.
خلاصة الفتوى
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الآية الكريمة تحذّر من إطلاق الظنون السيئة بالناس دون قرائن، وتدعو إلى الاحتياط في الحكم على الآخرين، والتحري، وعدم إطلاق التهم جزافًا. فالظن السيئ قد يكون سببًا للوقوع في الذنوب الكبيرة، حتى وإن بقي في القلب دون أن يُقال أو يُفعل.