قصة زيد بن حارثة.. الصحابي الذي نزل اسمه في القرآن

في تكريم نادر لم ينله غيره من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورد اسم زيد بن حارثة صريحًا في القرآن الكريم، ليُخلَّد في آية من سورة الأحزاب، حيث قال تعالى:“فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا” [الأحزاب: 37].
لم يحظَ أحد من الصحابة بهذا الشرف القرآني، مما يدل على مكانته العظيمة وموقعه المميّز في قلب النبي ووسط الأمة.
من العبودية إلى محبة النبي
زيد كان عبدًا صغيرًا أُسر في الجاهلية، واشتراه حكيم بن حزام لعمّته السيدة خديجة، فأهدته للنبي قبل البعثة. أعتقه النبي وقرّبه، حتى صار الناس في مكة يلقبونه بـ”زيد بن محمد”، لما كان له من منزلة عظيمة في بيت النبوة.
لكنه بعد نزول الحكم الإلهي بإلغاء نظام التبني، عاد إلى اسمه الأصلي: زيد بن حارثة، ليبقى اسمه وحده مذكورًا بين سطور الوحي، رمزًا لرجل عاش العبودية، وبلغ قمة التكريم الرباني.
قصة زواجه وزواج النبي من زينب
تزوج زيد من زينب بنت جحش، قريبة النبي، لكن الحياة بينهما لم تستمر، فطلقها. وبعدها، أمر الله نبيه أن يتزوجها، ليكسر تقليدًا جاهليًا كان يمنع زواج الرجل من مطلقة من تبنّاه، ويؤسس لتشريع جديد يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
وقد جاء هذا الأمر الإلهي واضحًا في القرآن، وذُكر فيه اسم زيد لتأكيد الواقعة وتوثيقها، وبيان أنها تشريع رباني لا علاقة له بالأهواء أو العاطفة.
كان زيد من أوائل المسلمين، ومن أكثرهم تضحية، فشارك في معظم الغزوات، وقاد جيش المسلمين في غزوة مؤتة، أول مواجهة كبرى خارج الجزيرة العربية. استشهد هناك، بعد أن قاتل ببسالة، فسقط شهيدًا ومعه راية الإسلام.
عندما بلغ الخبر المدينة، بكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
“أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأُصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأُصيب…”
لم يكن زيد مجرد جندي في صفوف المسلمين، بل كان يُلقب بـ”حِبّ رسول الله”، أي حبيبه، وورث هذا اللقب ابنه أسامة بن زيد، الذي ولاه النبي على جيش ضم كبار الصحابة، رغم صغر سنه، في دليل على حبّ النبي واحترامه لأسرة زيد.
إرث لا ينسى
خلّف زيد إرثًا إنسانيًا وعسكريًا وتشريعيًا، وترك اسمه نقشًا خالدًا في القرآن، ليكون شاهدًا على رجل بدأ عبداً وانتهى بطلًا، وحُفِر اسمه في كلام الله إلى يوم القيامة. لم يكن ابن نسبٍ، بل ابن ولاء، وواحد من أولئك الذين غيّروا التاريخ بصبرهم وإيمانهم