عاجل

حوار بين نبيين يكشف عمق الإيمان بالقدر.. هل آدم سبب خروج البشر من الجنة ؟

د.علي جمعة
د.علي جمعة

في إحدى أعظم روايات السنة النبوية الشريفة التي تكشف لنا عن عمق القدر الإلهي وحكمة الخالق، نقل فضيلة الدكتور علي جمعة محمد – عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف – عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، حديثًا نبويًا شريفًا ورد في صحيح البخاري، يُجسد حوارًا مؤثرًا ومليئًا بالمعاني بين نبي الله آدم عليه السلام ونبي الله موسى عليه السلام.

نص الحديث كما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم:قال:« احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة؟ .. قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه؟ .. ثم تلومني على أمر قد قُدّر عليّ قبل أن أُخلق؟ ..فحجّ آدمُ موسى».

[رواه البخاري]

بين اللوم والتبرير: هل آدم مسؤول عن خروجنا من الجنة؟

يُسلّط هذا الحديث الشريف الضوء على سؤال عقائدي قديم يتردد في أذهان الكثيرين: هل كان خروج آدم من الجنة خطأ بشريًا أم أمرًا مقدرًا من عند الله؟ ففي هذا الحوار الرمزي العميق، يعاتب موسى آدم عليهما السلام قائلاً: "أنت أخرجت ذريتك من الجنة"، وكأن الخروج كان نتيجة مباشرة لخطيئة آدم.

لكن آدم يرد بحكمة بالغة، معترفًا باصطفاء موسى وبمكانته، لكنه في الوقت ذاته يُذكّره أن ما حدث كان أمرًا مكتوبًا ومقدّرًا قبل أن يُخلق.

 فهم القدر والتسليم لحكمة الله

الحديث يضعنا أمام قاعدة إيمانية راسخة: أن الإنسان لا يُلام على ما كُتب عليه قبل خلقه، بل يُحاسب على اختياراته بعد البلوغ والتكليف.

ويُشير قول النبي:" فحجّ آدم موسى" إلى أن حجة آدم كانت أبلغ وأقوى، فغلب موسى بالحكمة والمنطق. وهذا يعلّمنا أن القدر لا يتعارض مع العقل ولا مع الحكمة، بل هو جزء من عدل الله الذي لا يُدركه إلا من أضاء قلبه بالإيمان.

هل يتعارض القدر مع المسؤولية؟

رغم أن الحديث يُبرز أن ما وقع لآدم كان مقدرًا، إلا أنه لا ينفي مسؤولية الإنسان عن أفعاله، بل يُوازن بين الإيمان بالقدر واستخدام العقل والتوبة والرجوع إلى الله. فقد تاب آدم عليه السلام وعلّق الله فضله على هذه التوبة، لا على الوقوع في المعصية.

ما الذي نتعلمه من هذا الحديث؟

1. الإيمان بالقدر خيره وشره ركن أساسي من أركان العقيدة.


2. عدم لوم الآخرين على أقدار الله، فهي مكتوبة قبل الخلق.
3. فضل سيدنا آدم عليه السلام، وتوبته التي قبلها الله عز وجل.
4. حكمة الله فوق تصوراتنا، وقد يقدّر الله أمورًا لا ندرك حكمتها إلا بعد زمن أو يوم القيامة.

حوار بين نبيين يكشف عمق الإيمان بالقدر

إن هذا الحديث النبوي الشريف لا يُعد مجرد قصة رمزية بين نبيين كريمين، بل هو درس إيماني عظيم في كيفية فهم القدر، والتعامل مع المسؤولية الفردية، وعدم التسرع في اللوم أو الاتهام. فقد جسّد نبي الله آدم عليه السلام الرد الحكيم الذي يُعلمنا أن ما كتبه الله عز وجل، لا مفرّ منه، وأنه لا تعارض بين الإرادة الإلهية والاختيار البشري.

ومن خلال هذا الحديث، نُدرك أن الإيمان بالقدر ركن من أركان العقيدة الإسلامية، يجب أن يُصاحب المؤمن في كل موقف، خاصة عند مواجهة الابتلاءات أو محاسبة النفس.

فليكن هذا الحديث دعوة لكل مسلم أن يراجع فهمه للقدر، وأن يتسلح بالعلم، والتسليم، وحسن الظن بالله، وأن يُدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فكل شيء بقدر.

تم نسخ الرابط