لماذا يُبتلى المؤمن؟.. علي جمعة يكشف الحكمة من المِحن ونورالصبر في حياة المسلم

في زمن تتسارع فيه الابتلاءات، وتكثر فيه المِحن، يتساءل كثيرون: لماذا يبتلينا الله؟ وما الحكمة من المصائب؟
وفي منشور مؤثر ومليء بالمعاني الإيمانية العميقة، كشف الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، عن أسرار البلاء، وكيف يتعامل المؤمن مع المصائب بإيمان ويقين، حتى تنزل عليه السكينة، ويشعر بنور الصبر في قلبه.
الرجوع إلى الله عند البلاء سبيل السكينة ونور اليقين
يؤكد الدكتورعلي جمعة أن البلاء لحظة رجوع، فيها يحتاج المؤمن أن يعود إلى الله عز وجل، ليتأمل حكمته، ويتعلّم كيف يسير في طريق الصبر والسكينة، وهذا لا يكون إلا بالرجوع إلى الوحي الشريف: القرآن الكريم والسنة النبوية.
واستشهد بقول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [سورة الملك: 2]
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155–157]
البلاء منحة لا محنة.. والموت انتقال لا فناء
ويؤكد فضيلة الدكتور أن البلاء امتحان إلهي، خلفه منح ربانية عظيمة، من غفران ورفعة وجزاء، موضحًا أن الموت في الإسلام ليس فناءً بل انتقالٌ من دار الفناء إلى دار البقاء.
وذكر ما قاله الصحابي أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، عندما فُجع بأبنائه:
«الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ليدّخرهم لي في دار البقاء».
أحاديث نبوية عظيمة تضيء درب الصابرين
واستشهد الدكتور علي جمعة بأحاديث نبوية تُظهر عِظم الأجر مع عِظم البلاء، ومنها قول النبي ﷺ:
«إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
كما قال ﷺ:
«عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
وفي بيان رحمة الله، نقل عن الحديث القدسي:
«ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة».
الروح لا تفنى.. والعمل الصالح يصل للأحبة بعد موتهم
وأوضح الدكتور أن الروح تبقى ولا تفنى، وأن العمل الصالح يصل للميت. واستشهد بما ورد عن النبي ﷺ عندما سأله أحد الصحابة:
«إن أبي مات وترك مالًا ولم يوصِ، فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟» فقال ﷺ: «نعم»
كما ذكر مواقف عظيمة من سيرة العلماء، مثل:
أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة، الذي عاد إلى مجلس العلم بعد دفن ابنه مباشرة.
وكيع بن الجراح، الذي زاد أربعين حديثًا يوم وفاة أبيه.
المصيبة تذكّر بفناء الدنيا.. والرسول ﷺ قدوتنا في الصبر
يشير الدكتور علي جمعة إلى أن المصائب تُعلِّمنا حقيقة الدنيا، وأنها فانية زائلة، وليست بدار مقام، مستشهدًا بقوله تعالى:
{مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]
ويختم بما فعله رسول الله ﷺ حين فقد ولده إبراهيم، قائلًا:
«تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ».
الموطن الأصلي للروح هو عند الله
يرى فضيلة الدكتور أن قول الله: {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فيه إشارة إلى أن الروح جاءت من عند الله تفضُّلًا، وعادت إليه فضلًا ورحمة، وأن الأصل أن نرجع إلى رب كريم رحيم.