تحذير نبوي.. حكم الضحك بالكذب مع الأصدقاء في ميزان الشريعة

في جلسات الأصدقاء وسهرات الضحك، قد يلجأ البعض إلى اختلاق مواقف خيالية أو مبالغات غير حقيقية بهدف الإضحاك والتسلية، دون أن يدرك أن هذا السلوك قد يجرّه إلى معصية اسمها “الكذب في المزاح”.
فهل الكذب من أجل الإضحاك جائز شرعًا؟ وهل هناك فرق بين المزاح البريء والمزاح الكاذب؟ هذا ما نوضحه في السطور التالية من خلال ضوء الكتاب والسنة.
الكذب في المزاح: تحذير نبوي شديد
الكذب لإضحاك الآخرين، حتى وإن بدا بسيطًا، هو من الأمور التي حذر منها النبي ﷺ، حيث قال:
“ويلٌ للذي يُحدِّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له”
(رواه أبو داود).
وهذا الحديث يبيّن مدى خطورة هذا النوع من الكذب، خاصةً إذا أدى إلى خداع الناس أو إيذائهم بطريقة غير مباشرة.
هل كل مزاح يعتبر كذبًا؟
لا، فليس كل مزاح محرمًا.
المزاح المباح هو الذي يخلو من الكذب، ولا يجرح المشاعر أو يوقع في الحرج. فالنبي ﷺ نفسه كان يمزح، لكنه “لا يقول إلا حقًا” كما رُوي عنه.
ويجوز استخدام التورية أو المبالغة الظاهرة التي يفهم الناس منها أنها من باب الفكاهة لا الحقيقة، بشرط ألا تضلل أو تسيء.
تعريف الكذب شرعًا
الكذب هو:
الإخبار عن شيء بخلاف حقيقته، ويُعد إثمًا إذا كان عن عمد. أما إذا كان خطأ أو نسيانًا، فلا يؤاخذ به الإنسان شرعًا
أنواع الكذب الشائعة
1. التصريح المباشر:
كأن يدّعي الإنسان فعلًا لم يفعله.
2. الإيماء أو التلميح:
كأن يترك إيحاءً كاذبًا دون أن يصرح به.
3. كذب الأفعال:
إظهار أشياء غير واقعية، مثل ادعاء الفقر أو الغنى أو التقوى الكاذبة.
شروط تحقق الكذب المحرم
لكي يُعتبر الكلام كذبًا محرمًا، لا بد من:
• أن يكون مخالفًا للواقع.
• أن تكون نية القائل هي الخداع أو التضليل.
• أن يكون الموضوع مما يمكن التحقق من صدقه أو كذبه.
متى يُباح الكذب؟
الكذب محرّم أصلًا، لكنه يُباح في ثلاث حالات، إذا تحققت المصلحة الشرعية:
1. في الإصلاح بين الناس: لتهدئة النفوس وإنهاء العداوات.
2. في الحرب: لأن الحرب خدعة.
3. بين الزوجين: في حدود المجاملة التي تحفظ الود، دون خداع أو أذى.
أنواع الكذب المحرم الأخرى
• الكذب على الله ورسوله.
• شهادة الزور.
• الكذب في المعاملات المالية (الغش والخداع).
• الكذب في المزاح الذي يضلل الناس أو يوقعهم في الخطأ.
كفارة الكذب: كيف يكفر الإنسان عن كذبه؟
لا توجد كفارة مالية محددة، لكن الكفارة الشرعية هي:
1. التوبة النصوح
• الإقلاع عن الذنب.
• الندم على ما مضى.
• العزم على عدم العودة.
• طلب المغفرة من الله.
2. تصحيح الخطأ
• إذا تسبب الكذب في ظلم، يجب إعادة الحق لأصحابه.
• إن كان الكذب علنيًّا، فعلى الكاذب تصحيح المعلومة بقدر الإمكان.
3. الإكثار من الحسنات
• الاستغفار، الصدق، الصلاة، الصدقة، وغيرها من الأعمال الصالحة.
4. طلب المسامحة من المتضررين
إذا لحق بأحد أذى بسبب الكذب، فمن الأفضل أن يُطلب عفوه، إلا إذا تسبب ذلك بضرر أكبر.
ما العمل إذا اعتدت على الكذب؟
• راقب نفسك باستمرار، ولا تُهمل تأثير الكذب على النفس والناس.
• عوّد نفسك الصدق، حتى لو خفت من النتيجة.
• تذكّر حديث النبي ﷺ:
“إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة… وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار” (متفق عليه)