الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية

في كل ركعة من صلوات المسلمين، نختم فيها التشهد الأخير بكلمات تفيض وقارًا ومعاني، يتردد فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم مقرونًا بذكر سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث يقول المصلون:
“اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد”.
وتبرز هنا تساؤلات كثيرة: لماذا خُصّ إبراهيم عليه السلام بالذكر؟ وما الحكمة من هذا التشريف المتكرر في صلوات المسلمين اليومية؟
مكانة استثنائية في التاريخ الإيماني
سيدنا إبراهيم عليه السلام يُعدّ من أعظم الأنبياء، وقد لقّبه القرآن بـ”الخليل”، وهو “خليل الله”، أي من بلغ أعلى مراتب المحبة والقرب من الله عز وجل. وقد اجتمع المسلمون واليهود والنصارى على تعظيم هذا النبي العظيم، حتى سُمّي بـ”أبو الأنبياء”، إذ انحدرت من نسله الرسالات السماوية العظيمة، بدءًا من إسماعيل وإسحاق، وصولًا إلى موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.
رمز عالمي للتوحيد والصبر والابتلاء
إبراهيم عليه السلام يمثّل نموذجًا خالدًا في الصبر على الابتلاء، ورفض الشرك، والثبات على عقيدة التوحيد. واجه الطغيان، وترك وطنه، وضحّى بأغلى ما يملك في سبيل طاعة ربه، حين همّ بذبح ابنه إسماعيل استجابةً لأمر الله. هذه السيرة الزاخرة بالتضحيات والإيمان الخالص جعلت من إبراهيم عليه السلام أيقونة إيمانية فريدة.
رابطة النبوة بين محمد وإبراهيم
من ناحية النسب، ينحدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل بن إبراهيم، أي أن هناك رابطة دم ونبوة تجمع بينهما. كما أن الدعوة الإسلامية جاءت استمرارًا لملة إبراهيم الحنيفية، التي قال الله عنها: “ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا” (النحل: 123).
فضل دعوة إبراهيم نفسه
ومن الأعماق الإيمانية التي تُضيء هذا التشريف، أن إبراهيم عليه السلام نفسه هو من دعا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حين قال في دعائه:
“ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم” (البقرة: 129).
فكانت هذه الدعوة العظيمة مقدمةً لمبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، رحمةً للعالمين
وبناءا على ذلك فإن :
تخصيص سيدنا إبراهيم بالذكر في الصلاة الإبراهيمية يعكس مكانته العظيمة عند الله، وارتباطه المباشر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نسبًا ودينًا ودعاءً. كما أن الجمع بين الصلوات على النبيين الكريمين في التشهد الأخير هو دعاء من الأمة لهما معًا بالمغفرة والبركة، وتجديد للولاء والاتباع لنهج التوحيد الصافي الذي مثّله إبراهيم، وختمه محمد عليهما الصلاة والسلام.
بهذا الذكر الشريف المتكرر، تبقى سيرة إبراهيم حيّة في ضمير الأمة، ويتجدد التذكير بقدوة التوحيد والثبات على الإيمان، في كل صلاة.