هل يجوز زواج المسلمة من غير المسلم؟ دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي

يُثار من حين إلى آخر جدل حول مدى جواز زواج المسلمة من غير المسلم، خاصةً في ظل الانفتاح العالمي وتزايد التعايش بين أصحاب الديانات المختلفة. ومع هذا الجدل، تبقى الشريعة الإسلامية واضحة وصريحة في هذا الشأن، حيث أجمعت المذاهب الإسلامية الأربعة، ومعها دار الإفتاء، على حرمة هذا الزواج وعدم جوازه بأي حال من الأحوال.
أولاً: الحكم الشرعي
اتفق الفقهاء بالإجماع على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم، سواء كان كتابيًا (يهوديًا أو نصرانيًا) أو غير كتابي (مشركًا أو ملحدًا). ويُعتبر هذا الزواج باطلًا شرعًا، ولا يُعقد في الإسلام، وإن وقع يجب التفريق بين الطرفين فورًا
ثانيًا: الأدلة الشرعية
من القرآن الكريم:
• قوله تعالى:
﴿وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا﴾ (البقرة: 221)
وهذه الآية تدل بوضوح على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم عمومًا.
• قوله تعالى عن المؤمنات بعد صلح الحديبية:
﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ (الممتحنة: 10)
وهي آية حاسمة تؤكد أن الكافر لا يجوز له الزواج من المسلمة.
من السنة النبوية:
• لم يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز زواج المسلمة من غير المسلم، بل فرّق بين من أسلمن وأزواجهن غير المسلمين، كما فعل مع أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، حين أسلمت وكان زوجها غير مسلم
آراء الفقهاء هذه المسألة:
أولًا: مذهب الحنفية
يرى الحنفية أن زواج المسلمة من غير المسلم، سواء كان كتابيًا (يهوديًا أو نصرانيًا) أو غير كتابي (مشركًا أو ملحدًا)، باطلٌ شرعًا، ولا ينعقد من الأساس. واستندوا إلى قوله تعالى:
﴿وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا﴾
(البقرة: 221)
وقد نص الإمام الطحاوي في “مختصر اختلاف العلماء” على أنه:
“لا يجوز للمسلمة أن تنكح كافرًا، سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم”.
وقال الإمام الكاساني في “بدائع الصنائع”:
“لا يجوز للمسلمة أن تتزوج كتابيًا بالإجماع، لأن الزوج يكون له القوامة، ولا يجوز للكافر أن يكون قوامًا على مسلمة”.
ثانيًا: مذهب المالكية
أكد المالكية كذلك على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، وقالوا ببطلانه. وقد ورد في “المدونة الكبرى” للإمام سحنون:
“ولا يجوز للمسلمة أن تنكح يهوديًا ولا نصرانيًا، ولا غيرهما من الكفار، فإن فعلت فُرِّق بينهما”.
ويُعلل الإمام ابن عبد البر ذلك في “الاستذكار” بقوله:
“أجمع العلماء على أن المسلمة لا يجوز أن تنكح كافرًا بأي حال من الأحوال”.
ثالثًا: مذهب الشافعية
يرى الشافعية أن عقد زواج المسلمة من كافر هو عقد باطل لا ينعقد أصلًا، ولا تترتب عليه آثار الزواج. وقد جاء في “المجموع” للإمام النووي:
“لا يجوز لمسلمة أن تتزوج كافرًا، سواء كان كتابيًا أو غير كتابي، فإن فعلت لم يصح العقد، ويجب التفريق بينهما فورًا”.
وقد استدلوا بالآية:
﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ (الممتحنة: 10)
كإشارة إلى عدم حل المسلمة للكافر.
رابعًا: مذهب الحنابلة
الحنابلة كذلك يتفقون مع سائر المذاهب على أن زواج المسلمة من غير المسلم باطل وحرام، واستدلوا بنفس الأدلة من القرآن والسنة والإجماع.
جاء في “المغني” لابن قدامة:
“ولا يجوز تزويج المسلمة لكافر بحال، لا كتابي ولا غيره، فإن تزوجها كان النكاح باطلًا، ووجب التفريق بينهما”.
وأكدوا أن هذا المنع ليس فقط شرعيًا بل يُعتبر عقدًا فاسدًا لا يترتب عليه شيء من حقوق الزوجية
رأي دار الإفتاء:
أكّدت دار الإفتاء أن زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، سواء كان كتابيًّا (يهوديًّا أو نصرانيًّا) أو غير كتابي، محرّمٌ شرعًا وباطلٌ بالإجماع، ويُعدّ هذا الحكم من المسلّمات الدينية التي لا خلاف فيها بين العلماء. وقد جاء هذا التوضيح ردًّا على تصريحات أثارت جدلًا حول جواز هذا النوع من الزواج