كاد أن ينهار.. مراحل تغيير ملامح البيت الأبيض على يد رؤساء أمريكا خلال قرن
                            تشهد العاصمة الأمريكية واشنطن حاليًا واحدة من أكبر عمليات التغيير في تاريخ البيت الأبيض، بعد بدء أعمال إزالة الجناح الشرقي تمهيدًا لبناء قاعة احتفالات ضخمة تبلغ مساحتها نحو 90 ألف قدم مربع، حيث المشروع الذي تبلغ كلفته 300 مليون دولار يعد أوسع توسعة يشهدها المقر الرئاسي منذ أكثر من سبعين عامًا.
ويؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن هذا المشروع الطموح لن يحمل دافعي الضرائب أي تكاليف، حيث يتم التمويل بالكامل من تبرعات خاصة، وفقًا لمجلة نيوزويك التي نشرت تفاصيل قائمة المساهمين المعلنة الأسبوع الماضي.
ورغم أن جميع الرؤساء الأمريكيين تقريبًا تركوا بصماتهم على البيت الأبيض سواء بإصلاحات ضرورية أو إضافات تعكس ذوقهم الشخصي فإن مشروع ترامب يُعتبر الأضخم من حيث الحجم والطموح مقارنة بكل التحديثات السابقة.

أول تغيير ملامح البيت الأبيض في عهد روزفلت
عام 1902، أطلق الرئيس ثيودور روزفلت أول عملية تحديث جذرية للبيت الأبيض، نقلته من مجرد مقر سكني إلى مؤسسة تنفيذية تمثل رمزًا رسميًا للرئاسة الأمريكية، حيث قام المهندس تشارلز مكيم بإضافة الجناح الغربي الجديد، وهو ما مكن من فصل الحياة العائلية للرئيس عن المكاتب الرسمية.
وبلغت تكلفة المشروع آنذاك نحو نصف مليون دولار أي تعادل اليوم 20 مليونًا تقريبًا، ورغم الإشادة العامة بالمشروع كخطوة ضرورية للتحديث، إلا أن البعض انتقد استبدال الطراز الفيكتوري الفخم بطراز كلاسيكي جديد أكثر بساطة وصلابة.
فرانكلين روزفلت وإضافة زمن الحرب
خلال الحرب العالمية الثانية، قام فرانكلين روزفلت بإضافة الجناح الشرقي عام 1942 لتوفير مكاتب إضافية ومأوى محصن ضد الغارات الجوية، ورغم تواضع الإضافة من حيث الحجم، إلا أنها كانت بالغة الأهمية لتمكين الإدارة من العمل في ظل ظروف الحرب، وتم تمويل المشروع من ميزانية زمن الحرب الحكومية دون إثارة جدل سياسي يُذكر.
ترميم ترومان.. كاد البيت الأبيض ينهار
بين عامي 1948 و1952، أطلق الرئيس هاري ترومان أوسع عملية ترميم عرفها البيت الأبيض حتى ذلك الوقت.
فقد تبيّن أن هيكله القديم مهدد بالانهيار، بعد أن اخترقت ساق بيانو كانت تعزف عليه ابنة الرئيس أرضية متآكلة، ما استدعى إخلاء المقر فورًا.
وانتقلت العائلة الرئاسية إلى “بلير هاوس” المقابل لأكثر من ثلاث سنوات، بينما جرى إعادة بناء الداخل بالكامل باستخدام الخرسانة والفولاذ مع الحفاظ على الواجهة التاريخية، حيث بلغت كلفة المشروع 5.7 مليون دولار أي نحو 53 مليونًا حاليًا، ورغم أن الترميم أنقذ المبنى، إلا أنه أثار انتقادات حادة بسبب طمسه بعض الملامح التاريخية الأصلية للديكور الداخلي.

تحديثات ما بعد الحرب: رفاهية وتقنيات حديثة
منذ انتهاء أعمال ترومان، اقتصرت أغلب التجديدات على تحسينات تقنية أو إضافات رمزية.
في سبعينيات القرن الماضي، أدخل ريتشارد نيكسون ممرًا للعب البولينغ وأنظمة عزل صوتي متقدمة.
أما بيل كلينتون فقد خصص نحو 4 ملايين دولار بتمويل حكومي وجزئي من تبرعات لتحديث المفروشات وتطوير البنية التقنية استعدادًا لعصر الإنترنت.
وخلال إدارة باراك أوباما، بلغت قيمة التجديدات نحو 1.5 مليون دولار شملت الأثاث والديكور الداخلي، إضافة إلى تحويل ملعب التنس إلى ملعب مزدوج للتنس وكرة السلة عام 2009، وفي عهده أيضًا، تم تنفيذمشروع تحديث شامل للبنية التحتية بلغت كلفته 376 مليون دولار بتمويل من الكونجرس.

قاعة ترامب للرقص.. مشروع توسعة غير مسبوق
يُعد مشروع ترامب نقلة نوعية في سجل تطوير البيت الأبيض.
فالقاعة الجديدة التي ستحل محل الجناح الشرقي تمتد على مساحة هائلة تصل إلى 90 ألف قدم مربع — أي ضعف مساحة الأجنحة الحالية تقريبًا — وستتسع لنحو 650 ضيفًا جالسًا أو ما يقارب ألف شخص في الفعاليات الكبرى.
وتؤكد الإدارة الأمريكية أن القاعة الجديدة ستلغي الحاجة إلى استخدام الخيام المؤقتة للمناسبات الرسمية، وهو ما عبّر ترامب عن استيائه منه في أكثر من مناسبة.
ويمتاز المشروع بأنه ممَوّل بالكامل من القطاع الخاص دون مساهمة مالية من الكونغرس، ما يجعله مختلفًا عن أغلب المشاريع السابقة.
الجدل القانوني والإجرائي لتغيير البيت الأبيض
تخضع أعمال التوسعة والترميم في البيت الأبيض عادةً لمراجعات من هيئات حكومية متعددة، منها اللجنة الوطنية لتخطيط العاصمة ولجنة الحفاظ على البيت الأبيض، إضافة إلى موافقات من الكونجرس عند استخدام الأموال العامة.
لكن مشروع ترامب، كونه بتمويل خاص، لم يمر بكل مراحل المراجعة الرسمية.
وأشارت اللجنة الوطنية إلى أنها لم تتلق بعد أي مخططات إنشائية، موضحة أن موافقتها مطلوبة فقط في حال البناء العمودي وليس للهدم، وهذا الأمر أثار اعتراضات من الديمقراطيين ومنظمات الحفاظ على التراث، الذين اتهموا الإدارة بتجاهل قواعد الشفافية والمراجعة القانونية.
بينما رد البيت الأبيض معتبرًا الانتقادات “غضبًا مصطنعًا” من وسائل الإعلام والمعارضين، مؤكدًا أن المشروع يمثل تطويرًا تاريخيًا يعزز مكانة البيت الأبيض كرمز وطني ومقر ضيافة رئاسي عالمي.
                


