اختبار وتدريب.. ما معنى قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح"؟

قالت دار الإفتاء إن المراد من قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: 6]، هو تدريب الأيتام وامتحانهم بما يُحَقِّقُ صلاحهم في أمور دينهم ودنياهم؛ وذلك بتدريبهم على التزام العبادات، وأداء الواجبات، والتخلق بالآداب ومحاسن الصفات والأخلاق الحسنة، وكذلك تدريبهم على ما عليه صلاح حياتهم ومعاشهم، كُلٌّ على حسب حاله.
ويتحقَّقُ (إيناسُ الرشد) -كما في الآية الكريمة- وهو ما اشترطه الشرع لدفع أموال اليتامى إليهم بمدى رؤية حسن تعاملهم وتصرفهم فيما اختُبِرُوا فيه مرةً بعد مرةً.
تدريب اليتيم عبادة
وبيَّنت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية نهت عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: 152]، ومع ذلك أجازت للكافل أن يصرف من مال اليتيم في تدريبه وتأهيله حتى يتحقق رشده، لأن ذلك من تمام كفالته ومن صور الإحسان التي أمر بها الله تعالى.
وأضافت الدار أن تدريب اليتيم يشمل جوانب الدين والدنيا معًا؛ فاختباره في الدين يكون بتعويده على الصلاة والعبادات والآداب الحسنة كالأمانة والصدق والعفة، امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للآباء بتدريب أولادهم على الصلاة والفضائل منذ الصغر.
أما اختباره في أمور الدنيا فيكون بتدريبه على ما يصلح معاشه حسب حاله؛ فالذكور يُدرَّبون على البيع والشراء وإدارة المال، والإناث على تدبير المنزل ورعاية الأبناء وحفظ حقوق الأسرة، تحقيقًا للتوازن الذي أرادته الشريعة في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾.
ونقلت دار الإفتاء عن الإمام الشافعي والإمام السمعاني وغيرهما من العلماء أن الاختبار يكون في حدود المال اليسير؛ إذ يدفع الولي لليتيم جزءًا صغيرًا من ماله ليتاجر به أو يدير نفقته، فإن أحسن التصرف عُرف رشده، وإن أساء أُخّر تسليم ماله حتى يُؤنس منه رشدٌ بيّن.
هل تسقط كفالة اليتيم بمجرد بلوغه السن القانونية؟
هل تسقط كفالة اليتيم بمجرد بلوغه السن القانونية؟، سؤال أجاب عنه الدكتور مجدي عاشور المستشار السابق لمفتي الجمهورية من خلال برنامج دقيقة فقهية.
حيث سائل يقول: أعرف زوجةً مات زوجها وترك أبناء وهي ترعاهم وتقوم على شئونهم، لكنهم قد جاوزوا سن البلوغ، فهل الإنفاق عليهم، يُعدّ من كفالة اليتيم ؟
وقال «عاشور» في بيانه المسألة: قرر الفقهاء أن الكفالة هي كل ما يشمل مصلحة اليتيم، سواء كانت صغيرة أم كبيرة.
وبين: ذهب جماهير العلماء كما ذكر النووي في شرح مسلم، إلى أنَّ حكم اليُتْم لا ينقَطِع بمجرَّد البلوغ، ولا بعلوِّ السن، بل لا بُدَّ أن يظهر منه الرشد في دينه وماله، بينما ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اليتيم إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، زال عنه اليتم وصار رشيدًا يتصرَّف في ماله، واستدل الجمهور بقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء: 6]،فقد أطلق اليتم على البالغين.
وتابع : لا يقتصر أجر الإنفاق على اليتيم وتربيته على يتيم الغير؛ يل يشمل بالأَوْلَى اليتيم الذي مات أبوه أو تخلَّى عنه فقامت به أمه ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " كافِلُ اليَتِيمِ له، أوْ لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ وأَشارَ مالِكٌ - راوي الحديث - بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى "[أخرجه مسلم].
وشدد على أن رعاية اليتيم ماليًا أو أدبيًا لا تنتهي ببلوغه وتعد من الكفالة، لأنها تستمر إلى وقت حصول رشده؛ وهو تحققه بكامل الأهلية والاستغناء عن الغير، في القيام بشئونه وصلاح حاله .
وللمرأة التي تقوم على أبنائها ب- عد موت أبيهم أو تَخَلِّيهِ عنهم - أجرُ كافل اليتيم ، بل أجرها أعظم لأنها قَدَّمت مصلحة أبنائها على مصلحة نفسها لئلا يضيعوا ، فكانت لها هذه الهدية التي قررها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث قال : " أنا أول من يفتح له باب الجنة، إلا أنه تأتي امرأة تبادرني، فأقول لها: مالكِ ؟ مَن أنتِ ؟ فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي "[أخرجه أبو يعلى في مسنده] .