هل يفسد العبادة.. ما حكم الدعاء والذكر بغير المأثور في الصلاة؟

اتفقت المذاهب الفقهية أنه لا يشترط الالتزام بألفاظ الدعاء المأثورة، سواء كانت مأخوذة من القرآن أو السنة، في الصلوات المكتوبة أو النوافل. ويمكن للمصلي أن يدعو بما شاء من حوائج الدنيا والآخرة، مع الأفضلية للدعاء المأثور إذا وافق حضور القلب.
ما حكم الدعاء والذكر بغير المأثور في الصلاة؟
كما استثنى بعض الفقهاء الدعاء بما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها بشكل يحاكي كلام الآدميين، بينما يجوز الدعاء بما يقرب إلى الله من أمور الدنيا والآخرة، بشرط ألا يخالف الشرع. وبهذا المعنى، يجوز الدعاء بأي صيغة تحقّق الخشوع والاتصال بالله، سواء كانت مأثورة أو مُختَرَعة، ما دام مضمونها صالحًا وموافقًا للشريعة.
الأدلة من القرآن والسنة على جواز الدعاء غير المأثور
وردت نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد جواز الدعاء والذكر بألفاظ غير مأثورة. من ذلك قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: 110]
فهذا يبيّن أن الله تعالى يجيز للمؤمن الدعاء بأي من أسماءه الحسنى، سواء أُلفظت صياغة الدعاء مأثورًا أو مُختَرَعًا، ما دام الدعاء خالصًا لله وموافقًا للشريعة.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ثم ليتخَيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو»، مما يدل على جواز اختيار المصلي للدعاء بما يشاء من أمور الدنيا والآخرة، حتى لو لم يرد النص بهذا الشكل. وقد روى الصحابة والتابعون العديد من الأمثلة على الدعاء بلفظ غير مأثور، مثل ما فعله علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ولم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم هذا الفعل بل أقره وأثنى عليه.
تجربة السلف: الدعاء والذكر بغير المأثور
ثبت أن الصحابة والتابعون كانوا يدعون الله في الصلاة بألفاظ لم تُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولم يُنكر عليهم ذلك. فقد ورد عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول عند رفع رأسه من الركوع: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد"، وعن عبد الله بن عمر أنه كان يضيف ألفاظًا في التشهد، وعن عبد الله بن مسعود أنه دعا بما شاء بعد التشهد الأخير.
وهذا يوضح أن الدعاء بلفظ غير مأثور لا يفسد الصلاة، بل هو مشروع إذا كان يحقق التقرب إلى الله ويجمع القلب على الخشوع. وقد أجاز جمهور الفقهاء، من المالكية والشافعية والحنابلة، هذا النوع من الدعاء، مع مراعاة عدم إدخال محرمات أو ما يشبه كلام الآدميين في الدعاء.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الدعاء والذكر في الصلاة بأي ألفاظ يختارها المصلي جائز شرعًا، سواء كانت مأثورة أو غير مأثورة، ما دام محتواها صالحًا وموافقًا للشرع. والتقيد بالدعاء المأثور أولى إذا وافق حضور القلب، لكن عدم الالتزام به لا يفسد الصلاة، ولا يُعد بدعة. البدعة الحقيقية هي ما يخالف نصوص الكتاب والسنة، بينما الدعاء والذكر بغير المأثور مشروع وموافق لأصول الشريعة، وقد جرى عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا.