عاجل

بعد حديث سعد الهلالي عن الفتوى.. علي جمعة: النبي كان مفتيًا وقاضيًا ومُعلِّمًا

علي جمعة
علي جمعة

«يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ»، من الأمور التي أثارها الدكتور سعد الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر حول الآية أنها سلب لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الفتوى؛ وأن الفتوى هي رأي واحد وبالتالي: «ربنا بس اللي يفتي»، وفي السطور التالية نوضح ما جاء في شأن الآية الكريمة ومعناها.

هل كان النبي ﷺ مفتيًا؟

يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم هو دُرَّةُ التاج، والإنسان الكامل، حبيب الرحمن، وصفه ربُّه بأنه قد أرسله للناس بشيرًا ونذيرًا، ووصفه ربُّه بأنه قد أرسله رحمةً للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. ويقول ﷺ عن نفسه: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».

وتابع: الذي يتأمَّل سيرة سيدِنا رسولِ الله ﷺ يجد أنه كان الإنسان الكامل، وكان وحيدًا في نفسه، قد جمع الله له كل هذه الهمَّة التي لم نَرَها بعد ذلك في أحدٍ من البشر. قام الليل وكان قيام الليل عليه فرضًا، وصام النهار، وكانت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: «كان يصوم حتى نقول لا يُفطر، وكان يُفطر حتى نقول لا يصوم».

وأشار علي جمعة إلى أن النبي قام بأعباء الدعوة، وبالتعليم، وكان قاضيًا، وكان مُفتيًا، وكان مُعلِّمًا، وكان قائدًا للجيوش، وكان ﷺ تاجرًا وأبًا وزوجًا، وكلُّ أحدٍ في العالمين يجد نفسه في سيدِنا رسولِ الله ﷺ.

وبين أن سيدُنا النبيُّ المصطفى، والحبيبُ المُجتبى ﷺ هو المثال الأتمُّ الذي يجب أن يضعه كل مؤمنٍ أمامه؛ يمتثل به، ويُقلِّده، ويُحاكيه ولو في بعض جوانب الحياة. فسيدُنا النبي ﷺ هو المثال الأعلى الأكمل الأتمُّ للعالمين، في رحمته، وفي علاقته بينه وبين نفسه، وبينه وبين الناس، وبينه وبين ربِّه. ولا يزال المصطفى ﷺ في سيرته العطرة، وفي قيامه بشأن ربِّه سبحانه وتعالى، خيرَ العابدين، وخيرَ مثالٍ يُحتذى، ولا يزال أُسوةً حسنةً للمؤمنين.

وشدد: كلما ذكر المؤمن ربَّه كثيرًا، احتاج إلى نبيه ﷺ؛ فهو إنسانُ عينِ الموحدين في الحضرة القدسية، وهو إمامُ المتقين يأتمون به في علاقتهم مع الله. من غيره لا يرى المؤمنون الطريق، ومن غيره لا يستطيع ذاكر أن يذكر ربَّه، ولا موحِّد أن ينهج النهج السليم، ولا عابد أن يعبد ربَّه على يقين. أرسله ربُّنا رحمةً للعالمين.

تفسير قوله تعالى «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ»

جاء في تفسير السعدي للآية ما يلي: أخبر تعالى أن الناس استفتوا رسوله صلى الله عليه وسلم أي: في الكلالة بدليل قوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ْ} وهي الميت يموت وليس له ولد صلب ولا ولد ابن، ولا أب، ولا جد، ولهذا قال: { إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ْ} أي: لا ذكر ولا أنثى، لا ولد صلب ولا ولد ابن. وكذلك ليس له والد، بدليل أنه ورث فيه الإخوة، والأخوات بالإجماع لا يرثون مع الوالد، فإذا هلك وليـس لـه ولـد ولا والـد {وَلَهُ أُخْتٌ ْ} أي: شقيقة أو لأب، لا لأم، فإنه قد تقدم حكمها. { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ْ} أي نصف متروكات أخيها، من نقود وعقار وأثاث وغير ذلك، وذلك من بعد الدين والوصية كما تقدم. { وَهُوَ ْ} أي: أخوها الشقيق أو الذي للأب { يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ْ} ولم يقدر له إرثا لأنه عاصب فيأخذ مالها كله، إن لم يكن صاحب فرض ولا عاصب يشاركه، أو ما أبقت الفروض. { فَإِن كَانَتَا ْ} أي: الأختان { اثْنَتَيْنِ ْ} أي: فما فوق { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً ْ} أي: اجتمع الذكور من الإخوة لغير أم مع الإناث { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ْ} فيسقط فرض الإناث ويعصبهن إخوتهن. { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ْ} أي: يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها ويشرحها لكم فضلا منه وإحسانا لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه، ولئلا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم. { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ْ} أي: عالم بالغيب والشهادة والأمور الماضية والمستقبلة، ويعلم حاجتكم إلى بيانه وتعليمه، فيعلمكم من علمه الذي ينفعكم على الدوام في جميع الأزمنة والأمكنة. 

حديث استفت قلبك

ورد عن سيدنا وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه أنه قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فُقُلْتُ: دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ، قَالَ: «دَعُوا وَابِصَةَ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي»؟  قُلْتُ: لَا، بَلْ أَخْبِرْنِي، فَقَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» فقد رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وحَسَّن الإمام النووي إسناده في "الأربعين".

وقالت دار الإفتاء إنه ليس معنى الحديث أن يكون مدار معرفة الأحكام الشرعية وتمييز الصحيح فيها على مجرد التذوق النفساني والشعور القلبي؛ فللعلماء مسلكان في توجيه الحديث؛ فمنهم من جعله في المؤمن الذي تحقق بنور الإيمان وترقى في مراتب التقى والعرفان إذا واجه أمرًا يشتبه في حِلِّه أو جوازه، ولم يجد فيه قولًا لأحد إلا ممَّن لا يوثق بعلمه أو دينه.

ربنا اللي يفتي بس

كان قد شدد الدكتور الهلالي: «نحن نحتاج فقه دين وليس فتوى الدين، «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ»، ربنا اللي يفتي بس لإن الفتوى رأي واحد، لكن إمتى تفتي؟؛ لما تفتي بنفسك والنبي قالها لأكثر من صحابي وبسطاء الصحابة ليس مثلا الصحابة التي لهم شأن علمي معروف أو شأن تاريخي كبير معروف، مثل أبو بكر وعمر وعثمان، لكن وابصة بن معبد، أبو ثعلبة الخشني، واثلة بن الأصقع الذي أسلم في أواخر حياة النبي قبل أن يموت بعدة أشهر، كان ممكن لما يسأله لتفتنا في أمر نأخذه عنك - هذا واثلة بن الأصقع- قال له لتفتك نفسك.

تم نسخ الرابط