الفقهاء سادة أم خدام؟.. أستاذة بالأزهر تفند ادعاءات الهلالي المثيرة للجدل|خاص

قالت الدكتورة فتحية الحنفي الأستاذ بجامعة الأزهر، ردًا على تصريحات الدكتور سعد الهلالي حول الفقهاء والفقه، إن التلاعب بالألفاظ يسىء الفهم، ويساعد على إثارة البلبلة فالعالم الحق وجب عليه أن يتحرى القول قبل إخراجه.
الفقهاء سادة أم خدام؟
وفيما يتعلق بوصف الهلالي للفقهاء بأنهم خدام وليسوا سادة، قالت: ما معني خدام؟: إنها صيغة مبالغة مأخوذة من خادم، وهو الشخص الذي يقوم بخدمة غيره بشكل دائم وفي الغالب في مقابل أجر أو بدون مقابل، وهي تشير إلي كثرة الخدمة ، والميل إلي مساعد الغير بشكل مستمر؛ ولكن استخدام لفظ (خدام) مفهوم خارج عن إطار الدين الصحيح، وتتعارض مع مفهوم الإيمان بالله وحده، وعدم الاستعانة إلا به.
وتابعت: قد يقصد البعض بالخدام ما يسمى بالعوارض أو الجن الذي يسكن الإنسان ويؤذيه، أما كلمة سادة فهي جمع مفردها سيد وتعني الرئيس، أو الذي له سيادة على الجماعة، وقد يطلق السادة على الأشراف أي الذين ينتسبون إلي أهل بيت النبوة.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم: فالفقهاء يطلق عليهم لفظ السادة: بمعنى أنهم الذين يمتلكون علمًا بالشريعة، ويقودون في فهمها وتطبيقها، وقد يقال (سادة الشريعة): أي أن الشريعة هي السائدة والمسيطرة علي حياة الناس، والفقهاء سادة لأنهم أصحاب السيادة والمكانة الرفيعة في المجتمع، وذلك لأنهم ورثة الأنبياء، والعلم ميراث الأنبياء ، وفهمهم للشريعة ودينهم يجعلهم أحق بالاتباع بعد الله ورسوله. فعبد الله بن مسعود كان يقول: المتقون سادة، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .
أما مصطلح (الفقهاء خدام الشريعة) أي أنهم الذين يخدمون الشريعة من خلال تفسير النصوص، واستنباط الأحكام منها ومسايرتها لكل زمان ومكان، قال تعالي " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم تعلمون" فاستنباط الأحكام وتطبيقها يكون من الذين يمتلكون الملكة الفقهية التي تمكنهم من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية (القرآن الكريم والسنة النبوية) وتطبيقها علي قضايا الحياة المتغيرة، كما أهل الطب يخدمون الطب، وأهل الهندسة يخدمون ما يخصهم كل في تخصصه .
الاجتهاد نتاج من اجتهد وليس نتاج الله
وبينت أن قول الهلالي إن الاجتهاد نتاج من اجتهد وليس نتاج الله، وهذا فيه تسويف لإثارة الجدل؛ وجب علينا بيان حقيقة الاجتهاد، فالمراد بالاجتهاد هو استفراغ الوسع في فعل من الأفعال أي استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. فالمجتهد هو : الفقيه المستفرغ لوسعه في تحصيل الحكم الشرعي ، وهذا لا يتم إلا إذا توافر فيه عدة شروط من أهمها : الإسلام، العقل، البلوغ، العدالة، فقه النص، العلم بالقرآن، الناسخ والمنسوخ، العام والخاص، المطلق والمقيد، أسباب النزول، معرفة السنة، اللغة العربية، مسائل الإجماع، معرفة مذاهب العلماء في مسائل الخلاف، معرفة أصول الفقه، وغيرها من الشروط التي بتوافرها يستطيع المجتهد فهم النص واستخراج الحكم .
ولذا وجب أن يكون المجتهد ظاهر الورع، مشهورًا بالديانة الظاهرة. كان مالك رحمه الله يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول: لا يكون عالما حتي يعمل في خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس، مما لو تركه لا يأثم. ولذا قال الشافعي رحمه الله عن المجتهد في كتابه الرسالة: لا يقيس إلا من جمع الآلة التي بها القياس، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه، ونفله، وأدبه، وناسخه، ومنسوخه، وعامه، وخاصه وإرشاده، ويستظل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله، فإن لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس. فالإجتهاد مقصور على طائفة معينة التي تتوافر فيها الشروط.
الاجتهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
ومن وقائع الاجتهاد التي يشهد بها القرآن أنه صلي الله عليه وسلم استشار أصحابه فيما يصنع بأسرى بدر، وكذا يوم بدر قبل المعركة، ويوم خيبر، وغيرها كثير مما لا يمك حصره، كما أذن صلي الله عليه وسلم لأصحابه بالإجتهاد والحكمة من اجتهاده صلي الله عليه وسلم وإذنه لأصحابه هو أن الشريعة لما كانت خاتمة الشرائع، وأنها دين الناس إلي يوم القيامة، وأن قواعد الدين ونصوصه جاءت كلية لم تعرض التفاصيل والجزئيات، وأن الحوادث متجددة ومتكاثرة لا تقف عند حد ، فكل زمن يحدث لأهله من الوقائع مالم يكن يعرفه أهل الزمان السابق، فأراد صلي الله عليه وسلم أن يعلمهم طريقة الاستنباط، ويمرنهم على كيفية أخذ الأحكام من أدلتها الكلية، ليستطيع أهل الفقه والمعرفة من بعده بقوة مداركهم أن ينزلوا ما يجد من الحوادث علي عمومات الكتاب والسنة ، قال تعالي "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ" وقال سبحانه " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ".
الفتوى نتاج فكر أم قواعد؟
وشددت أن الهلالي صرح أن حقيقة الفتوى أنها نتاج فكر من أفتي؛ وأقول: هل المفتي يفتي طبقا لهواه كي تكون نتاج فكره، أم أن هناك قواعد وشروط وضوابط لابد من توافرها لمن يفتي؟؛ فالفتوى هي بيان الحكم الشرعي في مسألة ما من واقع الأدلة التفصيلية، ولذا يتطلب في المفتي صفات منها: الإفتاء بالعلم، والورع، والهدوء، فالفتوى لا تؤخذ إلا ممن كان أهلا لها، بأن يكون ذا علم، ورعًا تقيًا، ويخشى الله ويتقيه فيما يقول، ويستحضر أن الفتوى توقيع عن الله. أما من كان جاهلًا أو كان صاحب هوى يفتي بما يشتهي المستفتي، فلا يحل أخذ الفتوى عنه، ومن أخذ عنه وهو يعلم حاله، فهو آثم إثمًا عظيمًا، وهذا ما يقصده دكتور سعد، ونسي ما قاله العلماء في صفة المفتي وشروط.
جاء في صفة المفتي يجب أن يكون مستقلًا باللغة العربية، فإن شريعة المصطفي صلي الله عليه وسلم متلقاها ومستقاها الكتاب، والسنن، وآثار الصحابة ووقائعهم وأقضيتهم في الأحكام، وقال الماوردي في (الحاوي): إن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصا معينا، صار خصما حكما، فترد فتواه علي من عاداه، كما ترد شهادته عليه. وقال النووي: واتفقوا علي أن الفاسق لا تصح فتواه، ونقل الخطيب الإجماع عليه.
فقه الدين يقدم كخدمة
أما عن قول الهلالي فقه الدين يقدم كخدمة، ولا يقدم كسلطة، تساءلت ماذا يقصد بذلك؟ فالفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وهو فهم بشري للشريعة الإلهية التي كشفت عنها النصوص الشرعية، فالفقه ينظم علاقة الإنسان بربه وهذا يشمل العبادات، وكذا ينظم علاقة الانسان بأخيه الإنسان بما يحقق المصلحة، لذا فالفقه يشمل جميع جوانب الحياة،لأنه يتميز بمرونته وقابليته للتجديد لمواكبة التغيرات بما يحقق المصلحة للجميع.
كما أن سلطة الفقه مستمدة من مصادر أساسية، هي النصوص الدينية ( القرآن الكريم والسنة المطهرة) كمرجع أعلى للحلال والحرام، بالإضافة إلى سلطة العقل القادرة علي الاستنباط بما يحقق المصلحة في سياق الشورى والعدل مع تباين المدارس الفقهية، فقد يرى البعض أن الفقه يجب أن يكون متوافقا مع العصر وواقع المجتمع المعاصر.
بينما يرى آخرون أن السلطة التاريخية للدولة لعبت دورًا في تكييف الفقه لصالحها. فسلطة النص القرآن والسنة وسلطة العقل والشورى أي أن الفقه يعتمد على العقل في استنباط الأحكام .
الهلالي يثير الجدل: الاجتهاد في الدين نتاج صاحبه وليس نتاج الله
قال الدكتور سعد الدين الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر إننا بحاجة إلى كشف حقيقة الفتوى بأنها نتاج فكر من أفتى، وكشف حقيقة التفسير بأنه نتاج من فسر، كذلك كشف حقيقة من اجتهد بأنه نتاج من اجتهد. وليس نتاج الله عز وجل، وليس نتاج أمر مقدس.
وتابع خلال استضافته على منصة مجتمع: «هذا طالما ليس مقدسا، فكلنا غير مقدسين، إذن كلنا نحترم بعض، ونقر بالسيادة لابد أن يكون كل بني آدم سيد،«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13)»، مشددا: لابد أن نسعى لذلك، ونقول للمفسرين أنتم مفسرين خادمين.كما أن الأطباء خادمين للمرضى، والمريض من حقه أن يقول له مش عايز العلاج، كذلك الأمر بالنسبة لـ فقهاء الدين هم خادمين للإنسان. إذن فقه الدين يقدم فقها كخدمة، ولا يقدم فقهه كسلطة.
وأوضح أن الدول التي تأخذ الفتوى كسلطة، والدين كسلطة، خالفت أصل الخدمة، وأقول لكل المشاهدين ومشاهدات، أن سيدنا رسول الله حكم المدينة بدستور المدينة، الذي كتب كوثيقة لسيدنا رسول الله وبين أهل المدينة، منهم تسع قبائل يهودية، على التوافق كيف يعيشون.