من الشيخ عبادة إلى متحف بروكسل.. رحلة المومياء المطرزة عبر الزمن

في إحدى قاعات متحف الفنون والتاريخ الملكي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، يقف الزوار مبهورين أمام مومياء تختلف عن أي مومياء أخرى اعتاد العالم رؤيتها، ليست مكسوّة بلفائف الكتان التقليدية، ولا محنطة وفق الطقوس المصرية الشهيرة، بل تحمل بين طياتها سرًا نُسج بخيوط ملونة وزخارف دقيقة، لتُعرف باسم "المومياء المطرزة".
هذه القطعة الأثرية الفريدة تعود أصولها إلى قرية الشيخ عبادة بمحافظة المنيا، حيث عُثر عليها قبل أكثر من قرن في حفائر مدينة أنتينوبوليس، وبالتحديد في الفترة ما بين عامي 1899 و1900، لتصبح اليوم شاهدًا على تداخل الفن والطقوس الجنائزية في مصر خلال العصر الروماني.
سبب التسمية بالمومياء المطرزة
جاءت تسمية المومياء بهذا الاسم نظرًا لما رافقها من قطع منسوجات وزخارف مطرزة مميزة، حيث لم تخضع الجثة لعملية التحنيط التقليدية، بل جفّ الجسم بشكل طبيعي بفعل حرارة الرمال الصحراوية، وتظهر المرأة مرتدية ثلاث طبقات من الثياب المزينة بزخارف قلبية الشكل، وتضع على رأسها قبعة مع لفة من الصوف الملوّن على هيئة أزهار، بينما يتدلى على كتفيها شال يحمل زخارف نباتية وصور طيور، كما ترتكز الرأس والقدمان على وسائد مطرزة تعكس مستوى فنيًا راقيًا في النسيج والتطريز.
مزيج بين الزخارف النسيجية والعادات الجنائزية
تشير الدراسات إلى أن المومياء المطرزة مؤرخة إلى العصر الروماني، وصُنعت من خامات طبيعية مثل الكتان، الصوف، الشعر، والعظام، هذا الدمج الفريد بين فنون النسيج والعادات الجنائزية يعكس براعة المصريين القدماء في استغلال الموارد الطبيعية وابتكار أساليب مميزة لطقوس الدفن، بما يبرز جوانب فنية وثقافية غير مألوفة في تلك الحقبة.
عرض المومياء في متحف بروكسل
تحمل المومياء رقم التسجيل E.1045، وهي معروضة حاليًا داخل صالات متحف الفنون والتاريخ الملكي في بروكسل، حيث تعد من أبرز المقتنيات التي تجذب أنظار الزوار والباحثين المهتمين بتاريخ الأزياء وفنون الدفن في مصر خلال العصر الروماني، وتعد هذه القطعة شاهدًا على تطور الذوق الفني في مصر القديمة وكيفية دمج الرموز النسيجية داخل الممارسات الجنائزية.
أهمية المومياء المطرزة في الدراسات الحديثة
يمثل وجود هذه المومياء في بروكسل قيمة علمية وتاريخية بالغة الأهمية، إذ تسهم في فهم جوانب جديدة عن الحياة الاجتماعية والرمزية في مصر الرومانية، كما تلقي الضوء على تطور تقنيات النسيج والتطريز، التي لم تقتصر على الاستخدام اليومي بل تجاوزت ذلك لتشكل جزءًا أساسيًا من الطقوس الجنائزية.