ما معنى معنى الروح والنفس وهل الروح هي التي تعذب أم النفس؟

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن لفظَي “الروح” و”النفس” من الكلمات القرآنية التي تحمل معاني متعددة، ويختلف مدلولهما بحسب السياق الذي تردان فيه، فقد تُستعمل إحداهما موضع الأخرى في بعض المواضع، إلا أن هذا يكون من باب المجاز، لا على جهة الحقيقة؛ إذ لكل منهما دلالة مخصوصة ومقصد مختلف.
والروح التي ورد السؤال عنها من قِبَل اليهود لرسول الله ﷺ، بيَّن الله تعالى حقيقتها بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]، فهي سرٌّ من أسرار الله، جعله سببًا للحياة، ونفخه في آدم عليه السلام وفي ذريته، ولم يُطلع خلقه على كنهها وحقيقتها، فظلت من الأمور الغيبية التي استأثر الله بها.
أما ما يتعلَّق بمسألة العذاب، فقد دلت الأحاديث النبوية على أن النفس تُحاسَب وتُعذَّب يوم القيامة، بينما الروح تُعذَّب أو تُنعَّم بعد مفارقتها للجسد عند الموت، وتستقر في عليين أو في سجين بحسب عمل صاحبها. ولا يتعارض ذلك مع إثبات عذاب القبر للروح والجسد معًا لمن استحقه، كما ورد في كثير من النصوص الصحيحة.
ومن هنا، ينبغي التنبيه إلى خطورة الخوض في الغيبيات التي لم يُؤذن لنا بمعرفتها، لأن ذلك قد يُفضي إلى الزلل والانحراف عن الحق، وقد قال الله تعالى في هذا السياق: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، إرشادًا لعباده إلى التزام حدود العلم وعدم تجاوز ما أُمروا به
الفرق بين الروح والنفس: تأمل في المعاني وعمق الحقيقة
وردت كلمتا “الروح” و”النفس” مرارًا في القرآن الكريم، وكثُر ذكر “النفس” بشكل خاص مفردة وجمعًا، حتى بلغ عددها قرابة ثلاثمائة مرة. وقد اختلف العلماء في تحديد العلاقة بينهما: هل هما أمر واحد يُطلق عليه اسمان مختلفان؟ أم أن لكلٍّ منهما كيانٌ ومعنى مستقل؟
هل النفس والروح شيء واحد؟
ذهب فريق من العلماء إلى أن الروح والنفس شيء واحد، مستشهدين بأحاديث نبوية استخدمت اللفظين في سياقات متقاربة. مثلًا، في حديث رواه البزار بسند صحيح عن أبي هريرة، أن المؤمن عند موته يتمنى خروج “نفسه”، وتُصعد “روحه” إلى السماء، حيث يستقبله أرواح المؤمنين. وهذا يُشير إلى استخدام اللفظين بالتبادل.
أم أنهما شيئان مختلفان؟
في المقابل، يرى فريق آخر أن الروح والنفس متغايرتان. فالروح هي ذلك الكيان النوراني غير المادي الذي يمنح الجسد الحياة، ولا يقبل التمزق أو التحلل، أما النفس فهي الجسد المادي المتصل بالروح، ويُنسب إليها الشعور واللذة والحزن والغضب وغيرها من الصفات. وبناءً على هذا التصور، فالنفس تمثل الكيان المركب الذي يجمع بين الجسد والروح معًا، ويتطور سلوكه بحسب قربه أو بعده عن الله.
معاني “الروح” في القرآن والسنة
جاءت كلمة “الروح” في القرآن الكريم والسنة بعدة معانٍ:
• الوحي: كما في قوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [غافر: 15].
• القرآن: لأنه يُحيي القلوب من ظلمة الكفر.
• جبريل عليه السلام: مثل قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء: 193].
• روح القدس: في تأييد الله لعيسى عليه السلام.
أما الروح التي سأل عنها اليهود، فجاء الجواب الإلهي حاسمًا: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85]، وهي تلك الروح التي نفخها الله في آدم وذريته، وهي سرٌّ إلهي استأثر الله بعلمه.
معاني “النفس”
كلمة “النفس” لها استخدامات كثيرة:
• يُقال “خرجت نفسه” أي روحه.
• ويقال “في نفس فلان” أي في فكره ونيته.
• وقد تُطلق على مجموع الإنسان كله: الجسد والروح معًا، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29].
• وتُطلق أيضًا على الدم، فيقال: “سالت نفسه”.
وقد وردت الكلمة في القرآن حتى في سياق الحديث عن الله، مثل قوله تعالى: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾ [المائدة: 116]، أي: ما أعلمه وأكنّه في داخلي، وهو استخدام يدل على المعنى المجازي أو المعنوي، بحسب السياق.
هل الروح تموت؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
• فبعضهم قال: إن الروح تموت، لقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88].
• وآخرون قالوا: إنها لا تموت، مستندين إلى الأحاديث التي تثبت أن الروح تُنعم أو تُعذب بعد الموت.
وقد قال القاضي الألوسي: إن المقصود بـ”موت الروح” هو مفارقتها للجسد، فإن كان هذا هو المعنى، فهي بالفعل تذوق الموت. أما إذا كان المقصود فناؤها كليًّا، فإنها لا تموت بل تبقى لتلقى مصيرها، سواء في عليين أو في سجين.
هل العذاب للروح أم للنفس؟
عند مفارقة الروح للجسد، تنتقل إلى مستقرها بحسب عمل الإنسان:
• أرواح الأنبياء: في أعلى عليين.
• أرواح الشهداء: في الجنة.
• أرواح العصاة والكافرين: في سجين.
أما العذاب أو النعيم الكامل للنفس – أي للإنسان بكامل كيانه – فلا يكون إلا بعد البعث يوم القيامة. وهو ما دلّت عليه العديد من آيات القرآن الكريم، مثل:
• ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ [آل عمران: 25].
• ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ [الفجر: 27].
وبذلك، يتبين أن الروح تُعذب أو تُنعم بعد الموت مباشرة، في البرزخ، أما العذاب الكامل للنفس فمرتبط بالآخرة.
تنبيه مهم
الحديث عن الروح من الأمور التي استأثر الله بعلمها، ولم يُفصِح عن حقيقتها للبشر، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85]، ومن الحكمة ترك الخوض في التفاصيل الغيبية التي لا دليل عليها، والابتعاد عن أفكار الفلاسفة أو ما لا تثبته النصوص الشرعية.
ويكفينا توجيه القرآن:
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، ففي ذلك سلامة للدين والعقل معًا