ما حكم تشييع المسلم لجنازة مسيحي ؟ دار الإفتاء تجيب

أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه لا حرج على المسلم في أن يشيّع جنازة غير المسلم أو يشارك في تشييعها، فذلك من صور البر والتعزية، ومن مكارم الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام، لما فيها من المواساة والإنسانية
النبي ﷺ بُعث رحمةً للعالمين
أرسل اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رحمةً شاملةً للخلق كافة، لا تقتصر على فئةٍ دون أخرى، ولا على دينٍ دون آخر، بل امتدت رحمته لتشمل المسلمين وغيرهم، والإنس والجن، بل وسائر الكائنات، كما قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وقد اتّصف النبي ﷺ بتمام الخُلق وسموّ المعاملة، فقال الله تعالى في وصفه:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
«يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة» (رواه الحاكم).
وفي رواية أخرى:
«لا يدخل الجنة إلا رحيم»، قيل: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ليس الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته، ولكن أن يرحم الناس عامة» (رواه عبد بن حميد).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:
«لا يضع الله رحمته إلا على رحيم»… قال: «الذي يرحم الناس عامة» (رواه البيهقي).
بل حتى في الأمور البسيطة والعاطفية، كان النبي ﷺ يراعي مشاعر الناس، كما في حديث أنس رضي الله عنه عن الطفل الذي حزن على طائرٍ كان يلعب به، فواسى النبي ﷺ الطفل وسلّاه بقوله:
«يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟» (رواه أبو داود وأحمد وغيرهم).
الإسلام يدعو إلى الإحسان إلى أهل الكتاب
لقد شمل الإسلام في دعوته السَّماحةَ مع أهل الكتاب، وأمر بحُسن التعامل معهم، خاصة من لم يُعادِ المسلمين أو يؤذِهم، وجعل ذلك من صُور الإحسان والعدل والبر.
قال تعالى:
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]
وقال عز وجل:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ… أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 8].
صورٌ من حسن معاملة النبي ﷺ وأصحابه لأهل الكتاب
من أبرز مظاهر الرأفة والمعاملة الحسنة: مواساة أهل الكتاب في أحزانهم، وتفقد أحوالهم في المرض، وزيارتهم، ومساعدتهم، وقد كان ذلك من هدي النبي ﷺ وصحابته.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:
«كان غلام يهودي يخدم النبي ﷺ، فمرض، فأتاه النبي يعوده» (رواه البخاري).
كما روى ابن أبي شيبة أن الصحابي الجليل أبا الدرداء عاد جارًا له يهوديًا.
السنة تدل على جواز اتباع جنازة غير المسلم
دلّت الأحاديث النبوية على جواز قيام المسلم لجنازة غير المسلم، واتباعها:
• عن جابر رضي الله عنه، قال:
«مرَّت جنازة، فقام لها النبي ﷺ، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا» (متفق عليه).
• وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قام لجنازة فقيل: إنها يهودية، فقال:
«أليست نفسًا؟» (متفق عليه).
ولم يكن هذا الفعل خاصًّا بالأقارب؛ فقد ورد أن الصحابة شيّعوا جنازة امرأة نصرانية، ليست من أقربائهم، وهي أم الحارث بن أبي ربيعة، كما ذكره الشعبي في أثر أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق.
وسُئل ابن عمر عن رجل مسلم يتبع جنازة أمه النصرانية، فقال:
«يتبعها ويمشي أمامها» (رواه ابن أبي شيبة).
آراء الفقهاء في جواز تشييع غير المسلم
صرّح الفقهاء من المذاهب الحنفية والشافعية بجواز تشييع المسلم لجنازة غير المسلم، سواء كان قريبًا أو جارًا أو حتى أجنبيًّا عنه:
• قال ابن مازة الحنفي في المحيط البرهاني (2/194):
“سُئل ابن عباس: إن أمي ماتت نصرانية، أفأتبع جنازتها؟ فقال: اتبعها، واغسلها، وكفنها، ولا تصلِّ عليها، وادفنها”.
وأشار إلى أن الصحابة شيّعوا أم الحارث وكانت نصرانية.
• وقال الإمام النووي الشافعي في منهاج الطالبين:
“ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر”.
• وأكد شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج:
“ويلحق بالقريب الزوجة، والمملوك، والجار، كما في العيادة”.
• وقال عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج:
“يُباح للمسلم زيارة قبر كافر، ولا فرق في ذلك بين القريب والأجنبي، ويؤخذ منه جواز اتباع جنازته كذلك”