ما حكم إقامة المطلقة رجعيًّا مدة العدة خارج مسكن الزوجية لعذر؟

أوضحت دار الإفتاء المصرية عما ورد إليها من سؤال " ما الحكم الشرعي لامرأةٍ طُلِّقت طلاقًا رجعيًّا فانتقلت إلى بيت والدها للإقامة فيه طوال مدة العدة؛ تفاديًا للمشاكل ؟ بأن للمطلقة طلاقًا رجعيًّا، في الحالة محل السؤال، أن تنتقل من بيت الزوجية إلى منزل والدها خلال فترة العدة، نظرًا لوجود العذر المذكور، وذلك استنادًا إلى ما ذهب إليه بعض أهل العلم. على أن تعود إلى مسكنها الأصلي الذي كانت تقيم فيه قبل الطلاق إذا زال السبب الذي أُجيز لها الخروج لأجله؛ إذ إن الرخصة مرتبطة بالحاجة، والحاجة تُقدَّر بقدرها
وجوب اعتداد المرأة في بيتها، وحالات جواز انتقالها منه
قررت الشريعة الإسلامية أن المعتدة يجب أن تقضي عدتها في المنزل الذي كانت تقيم فيه وقت وقوع الطلاق أو وفاة الزوج، سواء كانت العدة عن طلاق رجعي أو بائن. ولا يجوز لها مغادرة هذا البيت إلا لعذر معتبر شرعًا، كخوف على النفس أو المال، كحدوث هدم أو حريق أو غرق أو وجود لصوص أو فسّاق أو جار مؤذٍ، أو إذا كان المنزل مؤجرًا ولا تستطيع سداد أجرته. ولا يحق للزوج كذلك إخراجها من المنزل، لأن الشرع هو من أوجب المكث فيه، كما قال الله تعالى:
﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1]، وهو نهيٌ صريح للأزواج عن إخراج المعتدات، ونهي للمعتدات أنفسهن عن الخروج.
وقد اتفقت المذاهب الفقهية على هذا الحكم مع توضيحهم للعذر الذي يجيز الانتقال، فقال الإمام الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع (3/205):
إن المنزل المقصود بالمكث فيه هو الذي كانت تسكنه المرأة قبل فراق زوجها، سواء كان الزوج مقيمًا فيه أو لا، لأن الله تعالى أضاف البيت إليها، فقال: ﴿مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾. فإذا كانت المرأة تزور أهلها وقت الطلاق، فإن عليها أن تعود إلى بيتها الأول للاعتداد فيه، إلا إذا وجدت ضرورة تمنعها، كخطر السقوط أو العجز عن دفع الأجرة.
كما قال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني (2/64):
لا يجوز للمعتدة أن تخرج من البيت الذي كانت فيه قبل الطلاق أو الوفاة، حتى تتم عدتها، إلا لعذر ضروري، كخطر اللصوص، أو ضرر الجيران، أو تهديم المحل، مؤكّدًا أنه يجب رفع الأمر للحاكم إن وُجد، وإلا فالانتقال جائز عند الضرورة.
وأوضح النووي الشافعي في المجموع (18/175) أن المعتدة، سواء من طلاق بائن أو وفاة، لا يجوز لها الخروج من مسكنها إلا لعذر ظاهر، لأن الآية دالة على تحريم إخراجها وخروجها، مشيرًا إلى أن الاعتداد في المنزل صيانة لحقوق الزوج، ولا فرق في هذا بين المعتدة رجعيًّا أو بائنًا.
وفي تحفة المحتاج لـابن حجر الهيتمي الشافعي، فصّل في الأعذار التي تُبيح الانتقال، فعدّ منها: الخوف على النفس أو المال، أو التأذي من الجيران، أو الريبة، أو الفتنة، أو حتى وجود أمانة لا يمكن تركها، مؤكدًا أن الضرورة تقدر بقدرها.
أما ابن قدامة الحنبلي فذكر في الكافي (3/207):
إذا خشيت المعتدة هدمًا أو غرقًا أو وجود عدو أو اضطرت للخروج بسبب عدم القدرة على دفع الأجرة، فلها أن تنتقل إلى حيث تأمن على نفسها، لأن الوجوب يسقط مع العذر.
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (5/435):
إن حكم المعتدة من طلاق رجعي هو نفسه حكم المتوفى عنها زوجها، من حيث وجوب المكث في المنزل، مستندًا إلى نص القرآن الكريم.
وذهب أبو الوليد الباجي المالكي في المنتقى شرح الموطأ (4/105) إلى أن تكرار الأذى والنزاع بين الزوجين من الأعذار التي تبرر انتقال المعتدة، مؤكدًا أن العذر هو ما يمنع استمرار الإقامة، واختلاف الفقهاء في تحديده لا ينفي أصل وجوده.
بل بيّن الشافعية أن من بين الأعذار التي تبيح انتقال المعتدة: البذاءة من جهة الزوج أو أهله، فقال النووي في المجموع (18/175):
إذا خشيت المرأة سوء العشرة أو اشتد الأذى بينها وبين أهل الزوج، فيجوز نقلها إلى مكان آخر حفاظًا على كرامتها وسلامتها. كما قال في الروضة (8/415):
إذا أساءت المرأة إلى أهل زوجها بطريقة لا تُحتمل، فلها أن تعتدّ في بيت أهلها.
وبناءً على ما سبق، وفي خصوص المسألة المعروضة:
فإنه إذا وُجد عذر معتبر، كالأذى أو الخوف أو عدم الأمان، فيجوز للمرأة المطلقة طلاقًا رجعيًّا أن تغادر منزل الزوجية وتقيم عند والدها طوال فترة العدة، عملًا بمذهب المالكية والشافعية. ولكن إذا زال ذلك العذر، فعليها العودة إلى بيت الزوجية لاستكمال عدتها، لأن الرخصة إنما جاءت للحاجة، والحاجة تُقدَّر بقدرها