ما حكم قول (احنا زارنا النبي) عليه السلام للضيف عند قدومه للزيارة؟

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن ما جرت عليه عادة المصريين من قولهم للضيف عند زيارته: (احنا زارنا النبي) صلى الله عليه وآله وسلم، يُعد من العبارات الطيبة المستحبَّة، يُقصد بها التفاؤل بقدوم الزائر واستحضار بركة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس، وهي عبارة تحمل مشاعر المودة والتكريم، وتُسهم في إدخال السرور على قلب الزائر، كما تُوقظ في النفوس الشوق إلى الحبيب المصطفى، وتُنعش صلة الأمة بنبيها عليه الصلاة والسلام
فضل التزاور في الله وحكم قول “احنا زارنا النبي” عند استقبال الضيف
التزاور بين الناس من السنن الاجتماعية التي حضَّ عليها الإسلام؛ لما فيها من تأليف القلوب، وتقوية أواصر المحبة، وإزالة ما قد يعتري النفوس من جفاء أو فتور. والزيارة في معناها الشرعي والاجتماعي هي: توجه شخصٍ إلى غيره بقصد إكرامه، ومؤانسته، وإدخال السرور إلى قلبه.
قال الإمام المناوي في فيض القدير (1/ 366): “الزيارة عرفًا: قصد المزور إكرامًا له وإيناسًا به” اهـ.
وقد ورد في الحديث القدسي الصحيح، أن الله تعالى قال: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» رواه الترمذي وأحمد، وهو يدل على عظيم قدر التزاور حين يكون خالصًا لله، لا لغرض دنيوي أو مصلحة زائلة.
وفي دليل الفالحين لابن علان (3/ 256): “المراد أن من قام بهذه الأعمال ابتغاء وجه الله، لا لغرض دنيوي، فقد استحق محبة الله عز وجل”.
ومن مكارم الإسلام أيضًا: إكرام الضيف، فقد قرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين كمال الإيمان وإكرام الضيف، فقال كما في الصحيحين عن أبي هريرة: «مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ».
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/ 310): “الضيافة من سنن المرسلين، ومن شيم الكرماء، وهي من مكملات الإيمان”.
حكم قول “احنا زارنا النبي” عند قدوم الضيف
من العبارات المتداولة في الثقافة المصرية، قول أهل البيت عند استقبال ضيف عزيز: “احنا زارنا النبي”. والمقصود منها في العرف ليس ظاهر اللفظ، بل المعنى المجازي الذي يدل على شدة الفرح بمجيء الضيف، والتفاؤل ببركة قدومه، وتكريمه بأحب الألفاظ، وربطه رمزيًّا باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا من الألفاظ الجميلة التي تدخل السرور على قلب الضيف، وهو أمر محبوب شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ» رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة.
كما جاء عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ بِمَا يُحِبُّ لِيُسِرَّهُ، سَرَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه الطبراني والدولابي.
ومن حيث الدلالة الشرعية، فإن هذه العبارة جرت بها عادة الناس، والشارع الحكيم راعى الأعراف والعادات إذا لم تكن مخالفة لنص شرعي، بل جعلها منضبطة ومعتمدة في التعامل؛ قال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِندَ اللهِ حَسَنٌ».
وليس في هذه العبارة أي نوع من الإساءة أو التقليل من مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل هي دليل على شدة تعظيمه، وارتباط الناس الوجداني به، واستحضار اسمه الشريف في المواقف المحببة. وليس المتبادر منها سوى حسن الضيافة، والتعبير عن الفرحة، وجبر خاطر الزائر، وهي من المعاني المحمودة.
العرف ودلالته في فهم الألفاظ
وقد قرر الفقهاء أن ما اصطلح عليه الناس من المعاني العرفية مقدم على المعاني اللغوية إذا تعذر الجمع بينهما.
قال السرخسي في المبسوط (4/ 227): “الثابت بدلالة العرف كالثابت بدلالة النص” اهـ.
وقال شيخي زاده في مجمع الأنهر (): “التعيين بالعُرف كالتعيين بالنص” اهـ.
بل قال القرافي في الفروق : “النقل العرفي يُقدَّم على موضوع اللغة؛ لأنه ناسخٌ لها، والناسخ مقدم على المنسوخ”.
فالعبرة بالمعنى الذي اعتاده الناس وتبادر إلى أذهانهم عند سماع الكلمة، لا بما قد يحتمله اللفظ في دلالته اللغوية المجردة. وهذا ما أشار إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: “لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملًا”