عاجل

هل يجوز حرمان الابن العاق من الهبة والميراث؟.. اعرف الحكم الشرعي

حرمان الابن العاق
حرمان الابن العاق من الميراث

حرمان الابن العاق من الهبة والميراث، من الأسئلة الشائعة خاصة مع شكوى الآباء من سوء معاملة أبنائهم لهم، فهل يسقط حقهم في أموال أبيهم خلال الحياة وبعد الموت؟

حرمان الابن العاق من الميراث

وفي جواب سائل يقول: رزقني الله بعدد من الأولاد، لكن أحدهم عاق لي، فهل يجوز لي حرمانه من الميراث؟، قالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، إن من أبرز صفات المسلم البرَّ بالوالدين والإحسان إليهما، فقد رفع الله مقام الوالدين إلى مرتبة لم تعرفها البشرية في غير هذا الدين، إذ جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي مرتبة الإيمان بالله والعبودية، فقال تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و بالوالدين إحسانًا } وقال عز وجل {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا}، بل إن القرآن ليضع منهجًا في كيفية معاملة الأبوين عندما يبلغان مرحلة الهِرَم والشيخوخة فقال تعالى { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ....}.

وتابعت لجنة الفتوى بالأزهر: إذا لا حظنا قول الله جيدًا لوجدناه يقول {يبلغن عندك} أي في رعايتك وحمايتك وحفظك فاحذر أن يصدر منك كلمة تَذمُّر أو تململ أو ضيق { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} بل عليك أن تفكر طويلا في كلمة طيبة حتى يطيبا بها نفسًا ويقرّا عينًا {وقل لهما قولا كريمًا} ولتكن وقفتك بين أيديهما وقفة الاحترام والتقدير { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} ولينطق لسانك لاهجًا بالدعاء لهما على ما قدماه لك حال صغرك {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}.

وقد جاءت السنة مؤكدة لهذا المعنى القرآني، فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود" قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله"، فقد وضع رسولنا المربي العظيم بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها، والجهاد في سبيل الله.

وفي الصحيحين "أن رجلا جاء فاستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال" أحي والداك؟ "قال:نعم، قال " ففيهما فجاهد" وفي الحديث الصحيح "هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور".

خلاصة فتوى حرمان الابن العاق من الميراث

وأكدت لجنة الفتوى إذا ثبت هذا: فإنه لا يجوز للأب أن يحرم ولده العاق من الميراث لأن الله قد قرر نصيب كل وارث من الورثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله أعطى كل ذي حق حقه}، فلا بد من العدل بين الأولاد، قال النبي صلى الله عليه وسلم " اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم"، ولم يجعل الشارع الحكيم العقوق سببًا للحرمان من الميراث.

وشددت لجنة الفتوى بالأزهر على الأب أن يتضرع إلى الله عز وجل سائلاً إياه هداية ولده وعودته إلى رشده وصوابه، وأن يقوم بكل وسيلة ممكنة تعيد هذا الولد إلى البر به وبوالدته وأن يلحظ في هذا ما يؤثر على ولده ليعيده إليه مرة أخرى، ولا يدعو عليه لقوله "ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن، دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم"، ولا يستعجل بحرمانه من الميراث، فإن هذا الولد لو أصر على ما هو عليه من عقوق فإن ما ينتظره من حساب على عقوقه بوالديه أكبر بكثير من حرمانه من الميراث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله "اثنان يعجلهما الله في الدنيا، البغي وعقوق الوالدين".

هل يجوز حرمان الابن العاق من الهبة؟

استثنى العلماء الولد العاق من العدل بين الأبناء في الأعطيات، قال الإمام الشربيني رحمه الله: "يُستثنى العاق والفاسق إذا عُلم أنه يصرفه في المعاصي؛ فلا يكره حرمانه" "مغني المحتاج". كما عدّوا زيادة الفضل سببًا في التفضيل؛ لما روى الإمام مالك عن عائشةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن "أَبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ كانَ نَحَلَها جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِن مَالِهِ بِالغَابَةِ" "الموطأ".

قال الإمام ابن حجر رحمه الله: "لو أحرم فاسقًا لئلا يصرفه في معصية، أو عاقًا، أو زاد أو آثر الأحوج، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة رضي الله تعالى عنهما [لم يُكره]" "تحفة المحتاج".

وأجاز العلماء للأب أيضًا أن يعود في هبته لابنه العاق بعد إنذاره، قال الإمام الرملي رحمه الله: "فإنْ وجد [سببًا للرجوع في الهبة] ككون الولد عاقًّا، أو يصرفه في معصية، أنذره به [أي باسترداد الهبة]، فإن أصر [الولد العاق أو العاصي] لم يُكره [أي استرداد الهبة منه]" "نهاية المحتاج"، فإذا كان استرداد العطية جائزًا، فمن باب أولى حرمانه منها ابتداءً.

وينبغي للأب أن ينصح لأولاده ويحرص على مصلحتهم، وليعلم أن العدل في الهبة أجدر أن يديم اللُّحمة والألفة بين الأب وأبنائه، وبين الأبناء أنفسهم.

كما ننصح الأب وأهل بيته الصالحين أن يجتهدوا في دعوة بناته، وأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر؛ فلا بد أن يعدن إلى رشدهن وتنصلح أمورهن بإذنه تعالى، لذلك يُستحب للأب أن يُبقي من أملاكه ما يسع لإعطاء الولد العاق إنْ تاب وأناب.

تم نسخ الرابط