مرصد الأزهر: جماعات التطرف تحوّل الولاء للتنظيم إلى شرط للإيمان

قال الدكتور تامر عويس، الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن الجماعات المتطرفة تتبنى مقياسًا أحاديًّا ضيقًا في الحكم على الآخرين، يقوم على منطق "إن لم تكن معنا بالكامل، فأنت عدو لله أو مرتد أو منافق"، حتى لو كنت مسلمًا مستقيمًا.
مرصد الأزهر: جماعات التطرف تحوّل الولاء للتنظيم إلى شرط للإيمان
وأوضح الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، خلال حلقة برنامج "فكر"، المذاع على قناة الناس، أمس الجمعة، أن هذا التفكير المنغلق يعود بجذوره إلى فكر الخوارج الذين كفّروا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه، فقط لأنهم لم يكونوا على نهجهم المتشدد، مستشهدا بتأويلهم الخاطئ لقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، حيث استغلت الجماعات هذا النص لتكفير من لا يوافق تفسيرهم الضيق للنصوص الدينية.
وأضاف أن هذا المنطق الثنائي المتطرف يظهر بوضوح في تعاملهم مع الآخرين؛ فمبايعة التنظيم لديهم تُعد شرطًا للإسلام الحقيقي، وأي نقد أو حياد يُعد خيانة كبرى، بل وصل الأمر إلى تكفير مؤسسات الدولة ووصفها بالجاهلية، واتهام العلماء الوسطيين بالعمالة والنفاق.
وأكد الباحث بمرصد الأزهر أن هذا الفكر لا يُعبّر عن الإسلام ولا عن مقاصده، لأنه يغلق باب الاجتهاد ويرفض ثقافة الاختلاف والحوار، مشيرًا إلى أن الدراسات الاجتماعية تربط بين هذا التصنيف الحاد وبين زيادة الانقسامات داخل المجتمعات، مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتهيئة بيئة خصبة لانتشار العنف.
وأشار إلى أن الخطر الأكبر يكمن في أن هذه الجماعات تُساوي بين التنظيم والدين، فيصبح الولاء للجماعة وكأنه ولاء لله، والانضمام إليها علامة على الإيمان، والاختلاف عنها خروج من الإسلام.
وأكد أن هذه الرؤية تناقض جوهر الإسلام الذي وصف الأمة بأنها "أمة وسطًا"، ويدعو إلى التوازن والعدل كما في قوله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى".
رئيس جامعة الأزهر: "واذكروه كما هداكم" دعوة لدوام الشكر على نعمة الهداية التي لا تُقدّر بثمن
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ يمثل دعوة إيمانية عميقة لتقدير نعمة الهداية التي أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة لا يمكن للإنسان أن يوفي حقها أو يجازيها شكرًا مهما طال عمره أو اجتهد في عبادته.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، أن الكاف في "كما هداكم" هي للتسوية، أي أن على العبد أن يذكر الله بقدر ما أنعم عليه به من الهداية، وهو أمر يستحيل إدراكه في الحقيقة، لأن الهداية هي أعظم النعم على الإطلاق، ومن أعظم دلائل رحمة الله بعباده.
وأشار رئيس الجامعة إلى أن القرآن الكريم حذف متعلق الهداية في الآية، فلم يقيّدها بمناسك الحج وحدها، بل جاء النص عامًا ليشمل كل أبواب الهداية: إلى التوحيد، والصلاة، والزكاة، والحج، والأخلاق، ليعيش المؤمن دائمًا في ظلال هذا الفضل الإلهي الواسع.
وأضاف أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ يعبر بلغة القرآن عن عِظم النقلة من حال الضلال إلى نور الهداية، حيث استخدم القرآن "من" للدلالة على الاندماج السابق في زمرة الضالين قبل الهداية، وهو أسلوب قرآني بليغ يجعل المؤمن دائم التذكر لحالته السابقة ويقدّر نعمة الإيمان التي يعيش فيها.
وقال الدكتور سلامة داود: "لا تسأل عن من عطب وهلك، ولكن سل من نجا: كيف نجا؟ فالهداية تحتاج إلى توفيق وسعي، وتحتاج إلى أن يعيش الإنسان في كنف رعاية الله وهداه، ولا ينبغي أن نحصر الشكر في موسم الحج وحده، بل علينا أن نوسّع دائرة النظر لنرى نعم الله في كل جوانب حياتنا، وفي كل لحظة من لحظات الإيمان والعمل الصالح".