خولة بنت ثعلبة .. المرأة التي أنصفها الله من فوق سبع سماوات

خولة بنت ثعلبة – رضي الله عنها – واحدة من أعظم نساء الإسلام، امرأة جسدت الشجاعة والإصرار على نيل الحقوق. لم تستسلم للظلم أو تصمت على الخطأ، بل لجأت إلى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – حتى أنصفها الله تعالى بوحيٍ من السماء، وخلّد قصتها في القرآن الكريم. قصتها ليست مجرد خلاف زوجي، بل مثال حي على عدالة الإسلام وحفظه لكرامة المرأة.
من هي خولة بنت ثعلبة؟
خولة بنت مالك بن ثعلبة الأنصارية، صحابية جليلة من أهل المدينة المنورة. تميزت بحكمتها وصبرها وقوة شخصيتها. كانت زوجة لأوس بن الصامت – رضي الله عنه – وهو أخو الصحابي عبادة بن الصامت. عاشا معًا حياة مستقرة، حتى حدث بينهما خلاف أدى إلى وقوع حادثة "الظهار"، وهي عادة جاهلية يُشبه فيها الرجل زوجته بأمه، مما يعني تحريمها عليه.
بداية القصة – عندما وقع الظلم
في لحظة غضب، قال أوس بن الصامت لزوجته خولة: "أنتِ عليَّ كظهر أمي". ووفقًا للعادات الجاهلية، كان هذا القول بمثابة طلاق نهائي لا رجعة فيه. شعرت خولة بمرارة الظلم، فهي الزوجة التي كرست حياتها لزوجها وأبنائها، والآن تجد نفسها محرومة من حقوقها بغير ذنب.
لكنها لم تستسلم لهذا الحكم الجائر. بدلاً من الصمت أو اليأس، قررت أن تدافع عن حقها وتسعى للإنصاف، فلجأت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تشتكي ما أصابها.
خولة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
ذهبت خولة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحمل في قلبها ألمًا عميقًا. بدموع صادقة وكلمات مؤثرة، قالت: "يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني… اللهم إني أشكو إليك!"
استمع إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – باهتمام بالغ، لكنه لم يكن لديه حكم واضح في هذا الأمر، إذ لم يكن الوحي قد نزل بعد بشأن الظهار. ومع ذلك، لم تيأس خولة، بل استمرت في شرح معاناتها، ترفع شكواها إلى الله وتطلب العدل والإنصاف.
نزول الوحي استجابة السماء لدعاء خولة بنت ثعلبة
لم يخذل الله تعالى هذه المرأة الصابرة، فنزل جبريل – عليه السلام – على النبي – صلى الله عليه وسلم – بآيات من سورة المجادلة، حيث قال الله تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (المجادلة: 1)
أثبتت هذه الآيات أن الله تعالى يسمع شكوى المظلوم مهما بدت بسيطة أو معقدة، ووضعت حدًا للظهار كظلم اجتماعي.
حكم الظهار
شرع الله تعالى كفارة عادلة لمن وقع في الظهار حتى يعود إلى زوجته:
١.عتق رقبة (تحرير عبد أو أمة).
٢.فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين.
٣.فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكينًا.
بهذا الحكم، تمكن أوس بن الصامت من العودة إلى زوجته خولة بعد أن أدّى الكفارة، وانتهى بذلك ظلم الظهار الذي كان منتشرًا في الجاهلية.
مكانة خولة بنت ثعلبة بين الصحابة
لم يكن موقف خولة مجرد حادثة عابرة، بل أصبح رمزًا للعدل والإنصاف. حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يُجلّها ويحترمها. يُروى أنه ذات يوم، بينما كان يسير مع بعض أصحابه، أوقفته خولة لتحدثه، فأطال الاستماع إليها. وعندما تعجب أحد الصحابة من ذلك، قال عمر – رضي الله عنه –:"هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، أفلا يسمعها عمر؟"
الدروس المستفادة من قصة خولة بنت ثعلبة
١.العدل الإلهي لا يغيب: الله تعالى يسمع دعاء المظلومين، ولا يترك حقهم يضيع.
٢.قوة المرأة في الدفاع عن حقوقها: لم تخضع خولة للظلم، بل جادلت وطلبت حقها حتى أنصفها الله.
٣.رحمة الإسلام وعدالته: جاء الإسلام ليبطل العادات الجاهلية الظالمة ويقيم العدل.
٤.اللجوء إلى الله في الشدائد: مهما كان الظلم عظيمًا، فإن الدعاء هو السبيل إلى الفرج.
صوت المرأة مسموع في الإسلام
تظل قصة خولة بنت ثعلبة درسًا خالدًا لكل من يشعر بالظلم. لقد سمع الله شكواها وأنصفها بوحي من السماء، لتكون قصتها دليلًا على أن الإسلام يُكرم المرأة ويحفظ حقوقها.
إذا شعرت يومًا بالظلم، فاعلم أن الله يسمع دعاءك، وأنه لا يضيع حق أحد. وكما أنصف الله خولة، فهو القادر على أن ينصف كل مظلوم.