فضل يوم عاشوراء وأسرار العبادة في شهر الله المحرم.. رؤية شرعية من خالد الجندي

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن الله سبحانه وتعالى جعل في العبادات نوعًا من التفاضل، ليتسابق الناس في الطاعات، فكما أن هناك فروضًا وسننًا، فإن الأجور والدرجات تختلف بينها.
وأوضح، خلال ظهوره في برنامج "لعلهم يفقهون" على قناة dmc، أن أفضل الفروض هي الصلاة، وأفضل أنواع الصلاة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هي قيام الليل. أما في الصيام، فأفضل الصيام بعد رمضان هو صيام شهر الله المحرم، مستشهدًا بحديث النبي الكريم: "أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم"، وكذلك "أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة قيام الليل".
قيام الليل وصيام المحرم
بيّن الشيخ الجندي أن التفاضل بين العبادات يفتح أبواب الأمل للناس، فـ"من فاته شيء من الخير، يمكنه استدراكه في أوقات أخرى"، مشيرًا إلى قوله تعالى: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
وأكد أن قيام الليل وصيام المحرم من الأعمال التي تُعين المؤمن على التقرب إلى ربه، وتعويض ما فاته من الأجر، لافتًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص دائمًا على صيام شهر المحرم، وقد لاحظ الصحابة هذا الحرص، مما يعكس عظمة هذا الشهر المبارك.

فرصة ذهبية لتكفير الذنوب
أوضح الشيخ الجندي أن يوم عاشوراء يحمل نفحات عظيمة من الرحمة والفضل، فهو اليوم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله".
وأضاف أن السبت القادم، بإذن الله، هو يوم عاشوراء، داعيًا المسلمين إلى صيامه، مع صيام يوم قبله أو بعده، اقتداءً بسنة النبي، مستشهداً بكلام الإمام ابن القيم الذي قال إن صيام التاسع والعاشر والحادي عشر من محرم هو الأقرب للسنة.
صيام في أوقات المشقة
لفت الجندي إلى أن صيام عاشوراء هذا العام يأتي في جو شديد الحرارة، ما يعظّم الأجر عند الله، إذ أن الاجتهاد في الطاعة وقت المشقة أحب إلى الله من العبادة في أوقات الراحة.
وأشار إلى حديث النبي الذي ذكر فيه أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة، حيث يُروى عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه رجلاً تلهبه النار ويعاني العطش، فكان الصيام شفيعه في النجاة.

سنة مغفلة فيها بركة
في سياق حديثه عن السنة النبوية في يوم عاشوراء، أشار الشيخ خالد الجندي إلى سنة مغفلة يغفل عنها الكثيرون وهي "التوسعة على الأهل".
وأوضح أن دار الإفتاء المصرية أكدت هذا المعنى، مشيرة إلى حديث النبي ﷺ: "من وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته".
وأضاف أن هذا الحديث رواه أبو سعيد الخدري وأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، وقد قال جابر بن عبد الله: "جربناه فوجدناه كذلك".
العلماء عبر المذاهب الأربعة
أكد الجندي أن كبار العلماء من مختلف المذاهب الفقهية أقروا استحباب التوسعة في يوم عاشوراء، مثل الإمام ابن عبد البر، والحطاب المالكي، والشيخ زروق، والإمام الشرواني الشافعي، وابن عابدين الحنفي.
وبيّن أن التوسعة ليست في الإنفاق فقط، بل في إدخال السرور على الأهل، مثل إعطاء "عيدية صغيرة" أو تقديم هدية تدخل البهجة عليهم، وقال: "هي سنة جميلة ومجربة، فلماذا لا نعيد إحيائها؟".

الصوم والصدقة والإحسان
دعا الجندي المسلمين إلى الصيام والصدقة والتوسعة على الأهل والمساكين في يوم عاشوراء، معتبرًا أن هذا اليوم يجب أن يتحول إلى مناسبة للبر والإحسان.
وقال: "صوموا وتصدقوا وسعوا على أهاليكم، ونسأل الله أن يكتب لنا ولكم أجره وفضله، وأن تكون أيامكم كلها خير وبركة وستر، وأن يفيض من عطائه على المساكين والمحتاجين".
واختتم الشيخ خالد الجندي رسالته بتأكيده أن الصيام في هذه الأيام المباركة هو باب من أبواب الجنة، وقال: "لا تدع التعب أو الانشغال يمنعك من هذا الخير، فكلما خالفت هوى النفس في الطاعة، كانت عبادتك أعظم أجرًا وأحب إلى الله".
يوم عاشوراء ليس مجرد مناسبة تاريخية، بل محطة ربانية للتوبة والتكفير، وفرصة عظيمة للعودة إلى الله، وصلة الرحم، والرحمة بالفقراء. دعوة صادقة من الشيخ خالد الجندي لإحياء سنن مهجورة، واستغلال نفحات الرحمة في هذا الشهر المبارك.