من فودرو إلي هيروشيما.. هل تعيد أمريكا رسم قواعد اللعبة النووية؟|تقرير

أعادت الضربات الأمريكية الأخيرة على مواقع نووية إيرانية فتح باب المقارنة التاريخية مع لحظة مفصلية في القرن العشرين ( قصف هيروشيما ) وبالرغم من إختلاف السياقات و الأهداف إلا أن التشابه في الأسلوب و الرسالة السياسية الكامنة خلف القنابل يطرح تساؤلات عميقة حول ما إذا كانت واشنطن قد استعادت نهج الصدمة النووية كوسيلة لإعادة ضبط التوازنات أو على الأقل كرسالة تقول إن من يقترب من العتبة النووية سيدفع الثمن و لو لم يتخطاها.
كما ان الإختلاف في حجم الدمار لا ينفي أن العقلية التي قادت القرار الأمريكي ضد إيران هذه المرة تبدو مألوفة جداً ففي الحالتين الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى الدولة المستهدفة بل إلى العالم بأسره.

بين اللحظة الإيرانية و الكارثة اليابانية: تشابه في التوقيت السياسي
في أغسطس 1945 كانت الولايات المتحدة تسعى لإنهاء الحرب العالمية الثانية بأسرع وسيلة ممكنة و لو عبر استخدام السلاح الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية.
وقد قامت قنبلة واحدة بانهاء مدينة و رسخت لمرحلة جديدة من النظام العالمي تحت المظلة الأمريكية. و في يونيو 2025 إختارت الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب أن تنفذ ضربات مركزة ضد ثلاثة مواقع نووية إيرانية ( فوردو و نطنز و أصفهان ) رداً على ما وصفته بالإقتراب الإيراني الخطير من إنتاج سلاح نووي.
كانت هذه الضربة تكتيكية ليست شاملة لكنها تحمل في طياتها منطق الردع ذاته: لا خطوط حمراء فوق البرنامج النووي. كما نجد رغبة أمريكية في حسم المعادلة الجيوسياسية من خلال إظهار التفوق الساحق و إستخدام القوة بشكل إستعراضي لا يستهدف فقط الخصم بل كل من يفكر في كسر قواعد اللعبة.
الفارق في السلاح.. لكن الرسالة واحدة
في هيروشيما استخدمت الولايات المتحدة سلاحاً نووياً مباشراً هو الأول من نوعه في العالم أما في إيران فاستخدمت ذخائر خارقة للتحصينات و صواريخ كروز ذكية دون أن تتجاوز رسميًا العتبة النووية و مع ذلك فالسياق لا يقل رعباً حيث تم إستهداف مواقع تخصيب اليورانيوم وسط توتر نووي متصاعد يعني أن واشنطن تقرع الطبول على أبواب النووي الوقائي.
قصف هيروشيما لم يكن مجرد فعل عسكري بل كان إعلاناً عن القوة الأمريكية الجديدة و اليوم و بعيداً عن حجم الضربة قد تكون رسالة ترامب إلى إيران و معها الصين و روسيا و كوريا الشمالية: ما زلنا نستطيع ضرب القلب إن اضطررنا.
رد الفعل الدولي
حين قُصفت هيروشيما دخل العالم مرحلة صمت مريب قبل أن يبدأ في إستيعاب حجم التحول. والآن بعد قصف المواقع النووية الإيرانية بدأ المشهد مشابهاً: إدانات رسمية محدودة تنديد دبلوماسي خافت بينما الجميع يراقب، كما الإتحاد الأوروبي دعا إلى ضبط النفس و روسيا أعتبرت الهجوم إستفزازاً خطيراً لكن لا أحد أعلن خطوات تصعيدية فعلية.
حتى الدول المتحالفة مع إيران كالصين و سوريا و فنزويلا إختارت لهجة التحذير دون تهديد مما يفيد بأن الضربة الأمريكية أدت المطلوب منها سياسيًا دون الإنزلاق إلى مواجهة إقليمية واسعة حتى الآن.

طهران بين الصدمة والرد المناسب
بعد ساعات من القصف بدأت القيادة الإيرانية بموازنة الرد على غرار اليابان بعد هيروشيما.
و وجدت إيران نفسها أمام مشهد جديد حيث لم تُدمر قدراتها بالكامل لكن رسالة القوة وصلت بوضوح.
تصريحات علي شمخاني مستشار المرشد كانت واضحة: اللعبة لم تنتهي بعد و الرد سيكون ذكياً بينما أكدت القيادة أن المواد المخصبة لم تُستهدف بشكل فعال.

هيروشيما غيرت العالم.. فماذا بعد قصف إيران ؟
الدرس التاريخي من هيروشيما هو أن لحظات التفوق العسكري قد تغير وجه العالم لعقود. الولايات المتحدة أصبحت بعد القنبلة الذرية القائد العالمي بلا منازع فهل تسعى واشنطن اليوم إلى استعادة تلك الهيبة عبر رسائل صاروخية ؟ و هل يمكن لإيران على غرار اليابان أن تتحول من خصم مرعب إلى شريك محتمل تحت الضغط ؟
الفارق أن طوكيو كانت مهزومة فعلاً أما طهران فلا تزال واقفة و تملك أدوات إقليمية مؤثرة من الميليشيات إلى الشراكات الدولية و الرد قد لا يكون بنفس الشكل لكنه آتٍ بطريقة ما.
كما ان المقارنة بين قصف هيروشيما و ضرب المواقع الإيرانية ليست في حجم النار بل في وزن الرسالة. التاريخ يعيد نفسه أحيانًا لا بنفس الأدوات و لكن بروح القسوة ذاتها.