عاجل

يُصنع من نقاء القلب.. واعظة بالأوقاف تفتح نوافذ السلام في مسجد الأمير سنان

درس الواعظات بمسجد
درس الواعظات بمسجد الأمير سنان

ألقت الواعظة شيماء صالح عبد الحميد، اليوم الجمعة درسًا دعويًا بمسجد الأمير سنان بديروط، حمل عنوانًا بليغًا في معناه، عميقًا في مقصده: "إذا أردتَ السلامةَ من غيرِك، فاطلبْها في سلامةِ غيرِك منك".

إذا أردتَ السلامةَ من غيرِك

بدأت الدكتورة شيماء حديثها بصوتٍ يفيض بالسكينة، مؤكدة أن السلام الحقيقي لا يُنتظر من الخارج فقط، بل يُزرع أولًا في القلب، ويُظهر في القول والفعل، وأن من أراد أن يسلم من أذى الناس، فليحرص أولًا ألا يؤذيهم، قائلة: "السلامة ليست مطلبًا يُرجى فقط، بل خُلقٌ يُمنح."

استهلت الدكتورة شيماء صالح عبدالحميد درسها بكلمات وكأنها لؤلؤٌ منثور، لافتة بأن السلام في المجتمع لا يُولد من فراغ، بل يُصنع من نقاء القلب، وصفاء النية، وسلامة اللسان واليد. أكدت أن من أراد أن يهنأ بحياة يسودها الأمان والطمأنينة، فليكن هو مصدر الطمأنينة والأمان لغيره، وإن أول أبواب السلامة أن تُغلق نوافذ الأذى، مهما كان بسيطًا أو عابرًا. وأوضحت أن التطفل على حياة الآخرين، والبحث في خصوصياتهم، والتدخل فيما لا يعني، أصبح داءً اجتماعيًا، يتضاعف مع هيمنة وسائل التواصل الحديثة، والتي حوّلت كثيرًا من الأفراد إلى متتبعين لعثرات غيرهم، ساعين وراء الفضائح لا الإصلاح، مشيرة إلى أن هذا التصرف المؤذي لا يليق بمن يحمل في قلبه ذرة من إيمان أو مروءة.

استدلت بقول النبي ﷺ: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، مبيّنة أن الإسلام أراد للإنسان أن يعيش في دائرة اهتمامه الخاصة، يحسن ما بينه وبين ربه، وينشغل بإصلاح نفسه قبل أن يوجه أنظاره نحو عيوب غيره. وبيّنت أن التدخل في شؤون الناس لا يورث إلا القلق والريبة وقطع الصلات، وأنه لا يُعقل أن يطلب المرء السلام من الآخرين وهو في الوقت ذاته يؤذيهم بكلمة أو نظرة أو ظنٍ أو منشورٍ متسرّع.

وأشارت إلى أن من أعظم ما جاء به الإسلام لصيانة المجتمع من التفكك هو أدب الاستئذان، واحترام الخصوصيات، وصون حرمة البيوت والنفوس. قالت: "القرآن الكريم لم يترك في هذا الباب صغيرة ولا كبيرة إلا أضاء لنا فيها الطريق"، ثم تلت قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}، مؤكدة أن الاستئذان ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو تعبير عن احترام الحدود، وعن وعيٍ راقٍ بحقوق الآخرين، وعن رغبة في العيش في ظل سلمٍ اجتماعي حقيقي.

وتحدثت عن خطورة إساءة استخدام وسائل التواصل، لا سيما حين تتحول إلى وسيلة للغيبة، والنميمة، والتجسس، والتشهير، وكلها أبوابٌ من أبواب الظلم، وقد حذّر الله منها في مواضع متعددة، منها قوله تعالى: {ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا}.

وأوضحت أن من يظن أن كلماته العابرة أو تعليقاته الساخرة لا تُحسب عليه، فقد غفل عن حديث النبي ﷺ: "وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"، مشيرة إلى أن حصاد الكلمة، وإن كان بسيطًا في لحظته، قد يكون مدمّرًا في أثره.

كما بيّنت أن حسن الظن بالناس عبادة عظيمة، لا يُوفق لها إلا من زكّى قلبه وطهّر نفسه من أمراض الحسد والحقد والشك، واستشهدت بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن، إن بعض الظن إثم}. وأوضحت أن سوء الظن لا يقتصر ضرره على الفرد وحده، بل يتعداه ليهدم جسور الثقة بين الناس، ويفسد العلاقات، وينشر التوجس والريبة والفرقة.

وأكدت أن المؤمن الحق لا يكون مصدر أذى، بل هو نورٌ لمن حوله، وسكينة لمن جاوره، وسلامٌ لمن خالطه. وذكّرت بقول النبي ﷺ: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، مبيّنة أن معيار الإيمان العملي ليس في الشعارات، بل في مدى سلامة الناس من أذانا.

واختتمت حديثها بكلمات مؤثرة، قالت فيها: "إذا أردت أن تسلم من الناس، فكن أنت أول من يسلمون منه. وإن رغبت في أن تُصان كرامتك، فاصن كراماتهم. وإن تاقت نفسك إلى الطمأنينة، فابذرها أولًا في طريق الآخرين. فما أروع أن تكون بلسماً لا خنجرًا، وصوتَ سلام لا همسَ فرقة، ويدَ بناء لا إصبعَ اتهام. فلنُربِّ أنفسنا على أدب النبوة، ولنراقب ألسنتنا قبل أقلامنا، ولنستشعر أن كل كلمة ننطق بها ستُعرض بين يدي الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم."

سكنت كلماتها في القلوب كما يسكن العطر بين أوراق الورد، وخرج الحاضرون وهم يرددون في صمت: سلامة الناس في سلامتنا.. وسلامتنا في سلامة قلوبنا.

تم نسخ الرابط