باحث:«السنهوري» عالم صوفي مصري سبق الجميع إلى علم الذرة |خاص

في جنبات التاريخ المنسي، وبين رفوف المخطوطات المغبرة في خزائن الإسكندرية والأندلس، يبرز اسم قلّما ذُكر في كتب التراث، لكن وهجه لا يزال قادرًا على إضاءة ظلمات الغفلة العلمية والروحية، إنه الشيخ محمد السنهوري، العارف بالله والعالم المجتهد.
عالم مصري صوفي
يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد، أن الشيخ محمد السنهوري عالم صوفي مصري عاش في القرن العاشر الهجري، وكان أول من طرح نظرية متكاملة عن الذرة في سياق إسلامي صوفي، واضعًا بذلك لبنة خفية من لبنات العلم الحديث، قبل أن تولد معامل أوروبا بنحو قرنين .
وقال زايد لـ “نيوز رووم ” أن الشيخ السنهوري ولد في قرية سنهور، إحدى قرى دلتا النيل، في منتصف القرن السادس عشر الميلادي تقريبًا، بحسب ما أورده تلميذه علي المنوفي في مخطوطة "بغية الطلاب" .
نشأ في بيئة متدينة، وحفظ القرآن في صغره، ثم رحل إلى القاهرة حيث التحق بالجامع الأزهر، وتلقى العلم على أيدي كبار المشايخ مثل العارف عبد الوهاب الشعراني، الذي فتح له أبواب التصوف العقلي والذوقي .
وتابع قائلا : قلب السنهوري لم يكتفِ بالفقه والتصوف، فقد انصرف إلى دراسة ما كان يُعرف بـ"علم الخواص"، أي الكيمياء، إلى جانب الفلسفة والمنطق وتأثر بثلاث مدارس كبرى، كما ذكر في مقدمة "إيضاح المبهم": مدرسة جابر بن حيان في الكيمياء، ومدرسة ابن سينا في تصور المادة، والتصوف الخلوتي الذي يرى أن الكون كتابٌ مفتوحٌ تُقرأ آياته بالعقل والذوق معًا .
ويقول علي المنوفي، عن الشيخ محمد السنهوري: "كان شيخنا يُكثر من التجارب، ويقول: لا علمَ إلا ما وُزنَ بالميزان أو شوهدَ بالعين، وكان يردُّ على المشائين بقوله: أين برهانكم أن التراب أصْل؟ لعل الأصل نورٌ لا ترونه.
أضاف «زايد» في "إيضاح المبهم"، يعرض السنهوري نظرية "الجواهر الروحية"، وهي نظرية ترى أن كل جسم مركّب من وحدات أولية غير قابلة للانقسام، تشبه "اللآلئ المكنونة"، تتحرك في فضاء خالٍ بدفعٍ إلهي
يضيف “السنهوري” في نفس المخطوطة قدم بُعدًا صوفيًا خالصًا إلى نظريته، إذ يربط حركة الجواهر بـ"القوة الإلهية" المتجلية عبر الأسماء الحسنى، ويكتب: "لو انكشف الحجاب لرأيتَ كل ذرَّة تسبح باسم من أسماء الحق"
أما في الكيمياء، فقال «زايد» أن الشيخ السنهوري طوّر طريقة لاستخلاص العطور من الزهور باستخدام تقنية "التسامي"، وسجّل تجربته تلك في فصل خاص من مخطوطة "اللطائف الفائحة في أسرار الأرواح الرايحة" التي أُشير إليها في "كشف الظنون" لحاجي خليفة، لكنها فُقدت لاحقًا في حريق مكتبته سنة 1015هـ .
في مبحث البصريات، أورد السنهوري، تصحيحًا لبعض أفكار ابن الهيثم، خصوصًا في مسألة انكسار الضوء، مشيرًا إلى تأثير "الكثافة الروحية" للوسط الناقل، وهي فكرة غير مسبوقة في زمانه ووصف هذه الكثافة بأنها "حجبٌ غير مادية تؤثر على النور من حيث لا يدرك الحس"، وهو وصف يكاد يتقاطع مع بعض مفاهيم الطيف الكهرومغناطيسي الحديث.
هذه الأطروحات الثورية جعلت السنهوري عرضة للهجوم من أكثر من جهة. الفقهاء اتهموه بالحُلولية، والصوفية التقليديون عدّوه شاطحًا، والفلاسفة رأوا فيه زنديقًا خالف أرسطو.
وقد وردت أخبار هذا الهجوم في رسالة من رسائل تلميذه المنوفي ضمن مجموعة "مواقف الأكابر في مصر" المحفوظة في مخطوط الأزهر (رقم 674).
وتسببت هذه المعارك الفكرية، إضافة إلى ضياع عدد من كتبه، في تهميش إرثه. كما أن خصومه المذهبيين في الأزهر مارسوا ضغوطًا لمنع تدريسه، وهو ما أشار إليه الطهطاوي أيضًا في "تحفة المحبين"،
وقال الباحث«مصطفى زايد»: العلماء أنصفوا الشيخ السنهوري،فقد كتب المؤرخ أحمد الشريف الطهطاوي في كتابه السابق: "كان السنهوري وحيدًا في بابه، كأنه نبيُّ العلوم، مجذوبٌ إلى نور الكشف والعقل معًا"، ووذكره الشيخ الجوهري في "تحفة الزمان" قائلًا: "جمع بين ميزان العقل وقبس الكشف" .
وأوضح الباحث مصطفى زايد، إلى أنه لليوم، لا تزال ثلاثة آثار باقية تنسب إليه:
١-"إيضاح المبهم في خصائص الأجسام" – مكتبة الإسكندرية، قسم المخطوطات.
٢- "الفوائد الغريبة في حركات الكواكب" – محفوظة في مكتبة الأسكوريال، إسبانيا.
٣-مجموعة رسائل مفقودة ورد ذكرها في "كشف الظنون" لحاجي خليفة.
قارن الباحثون المعاصرون أفكاره بأعمال ديموقريطس وغاسندي ونظريات الكم الحديثة، كتب الدكتور محمد الزغبي في كتابه "العلوم التجريبية عند الصوفية" أن السنهوري "قدّم أول محاولة إسلامية لدمج الروح بالمادة في بنية ذرية متكاملة" .
وأكد الباحث مصطفى زايد، أن إعادة اكتشاف السنهوري ضرورة حضارية اليوم، لا فقط لإنصاف رجل ظُلم، بل لأن العالم المعاصر عاد يبحث عن الرابط بين الوعي والمادة، بين الطاقة والروح، وهو ما حاول السنهوري شرحه بلغة عصره، وأدوات زمانه.