التأمل الواعي: تقنية طبيعية فعالة لعلاج القلق دون الحاجة إلى الأدوية

يُعد اضطراب القلق من أكثر المشكلات النفسية شيوعًا على مستوى العالم، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ما بين 15 إلى 20% من الأفراد يعانون منه في مرحلة ما من حياتهم، ويُعرَّف القلق بأنه حالة من التوتر المستمر والمفرط تؤثر سلبًا على الحياة اليومية، وقد يصاحبها أعراض جسدية ونفسية متعددة مثل الأرق، التوتر العضلي، واضطرابات التركيز، وعلى الرغم من أن العلاجات الدوائية مثل مضادات الاكتئاب شائعة الاستخدام، فإن هناك تقنيات طبيعية فعالة قد تقدم بدائل آمنة ومستدامة للعلاج.
من بين هذه التقنيات، يبرز تأمل اليقظة الذهنية كخيار واعد أظهر فاعلية مماثلة للعقاقير الطبية في تقليل أعراض القلق، وفقًا لدراسة أمريكية حديثة نُشرت في نوفمبر 2022.
دراسة حديثة تثبت فعالية التأمل في تخفيف القلق
أجرى باحثون من جامعة جورج تاون وجامعة نيويورك دراسة سريرية موسعة هدفت إلى مقارنة تأثير ممارسة تأمل اليقظة مع العلاج الدوائي في التخفيف من أعراض القلق، وشملت الدراسة 276 مريضًا تم تجنيدهم من ثلاث مستشفيات في بوسطن ونيويورك وواشنطن خلال الفترة من يونيو 2018 وحتى فبراير 2020.
تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين:
- المجموعة الأولى تلقت تدريبًا مكثفًا على تأمل اليقظة على مدار ثمانية أسابيع، بواقع جلسات منتظمة بإشراف مدربين مختصين، بالإضافة إلى ممارسة منزلية مدتها 45 دقيقة يوميًا.
- أما المجموعة الثانية، فتلقت علاجًا دوائيًا تقليديًا باستخدام عقار "إسيتالوبرام" (Escitalopram)، أحد مضادات الاكتئاب الشائعة الاستخدام في حالات القلق.
ما هو تأمل اليقظة الذهنية؟
تأمل اليقظة هو ممارسة ذهنية تعتمد على التركيز العميق في اللحظة الحالية مع تقبُّل الأفكار والمشاعر دون إصدار أحكام، ويهدف هذا النوع من التأمل إلى كسر الحلقة المتكررة من التفكير المفرط والتوتر.
بحسب البروفيسور إريك بوي، أستاذ الطب النفسي في جامعة كاين والمشارك في الدراسة، فإن تأمل اليقظة يتمثل في "توجيه الانتباه الكامل إلى اللحظة الحالية، من خلال التنفس الواعي، وملاحظة الأحاسيس الجسدية، والأفكار، والمشاعر، دون التفاعل معها أو الحكم عليها".
للبدء بممارسة هذه التقنية، يُنصح بما يلي:
- الجلوس في مكان هادئ وأخذ أنفاس عميقة وبطيئة.
- التركيز على حركة التنفس داخل وخارج الجسم.
- الانتباه لتفاصيل الجسم مثل الإحساس بالقدمين أو حركة الأصابع أثناء المشي.
- الاستمرار في المراقبة دون مقاومة الأفكار أو الانزعاج منها.
فعالية التأمل تضاهي الأدوية
عند تقييم شدة أعراض القلق بعد انتهاء فترة العلاج، أظهرت النتائج أن كلتا المجموعتين شهدتا تحسنًا متقاربًا:
- المجموعة التي مارست التأمل شهدت انخفاضًا بمتوسط 1.35 نقطة في مؤشرات القلق.
- المجموعة التي تلقت العلاج الدوائي سجلت انخفاضًا بمتوسط 1.43 نقطة.
تشير هذه النتائج إلى أن تأمل اليقظة فعال بدرجة مشابهة للعلاج الدوائي في تخفيف أعراض القلق، دون التسبب في الآثار الجانبية المرتبطة بالأدوية.
مزايا التأمل مقارنة بالعلاج الدوائي
وفقًا للباحثين، يتمتع تأمل اليقظة بعدة فوائد إضافية تجعله خيارًا مثاليًا للعديد من الأشخاص، من أبرزها:
- غياب الآثار الجانبية: على عكس مضادات الاكتئاب، لا يصاحب التأمل أعراض جانبية جسدية أو نفسية.
- سهولة التطبيق: يمكن تعلمه وممارسته في المنزل بعد تلقي تدريب بسيط.
- الاستقلالية: لا يتطلب متابعة طبية دقيقة أو وصفات دوائية مستمرة.
- تعزيز الصحة العامة: يساهم في تحسين النوم، تقليل التوتر العام، وزيادة الوعي الذاتي.
- تخفيف الضغط على خدمات الصحة النفسية: يمكن لمدربي التأمل أو معلمي اليوغا توفير الدعم، مما يقلل العبء على الأطباء النفسيين.
هل يمكن الاستغناء عن الدواء في علاج القلق؟
الدراسة الحديثة تقدم دليلاً علميًا قويًا على أن تأمل اليقظة الذهنية يمكن أن يكون بديلًا فعّالًا وآمنًا للعلاج الدوائي في حالات اضطراب القلق. ورغم أن بعض الحالات الشديدة قد تستدعي التدخل الطبي، فإن إدماج هذه التقنية في الروتين اليومي يمكن أن يحسّن جودة الحياة النفسية لكثير من المرضى، خصوصًا أولئك الذين يبحثون عن طرق علاج طبيعية ومستدامة.