دراسة حديثة تثير الجدل: الركض لا يُهدد صحة المفاصل بل قد يحميها

لطالما ارتبطت رياضة الركض في أذهان الكثيرين بتحذيرات طبية متكررة حول مخاطرها على صحة المفاصل، خصوصًا مفصلي الركبة والورك، لكن دراسة طبية جديدة، عُرضت ضمن فعاليات الاجتماع السنوي للأكاديمية الأميركية لجراحي العظام، جاءت لتقلب هذه الفرضية رأسًا على عقب، وتعيد النظر في العلاقة بين الركض والإصابة بالتهاب المفاصل التنكسي.
عينة ضخمة واستبيان مفصل
الدراسة اعتمدت على تحليل بيانات استُخلصت من استبيان إلكتروني شارك فيه 3,804 عدّاءً خاضوا ماراثوني شيكاغو في عامي 2019 و2021. بلغ متوسط أعمار المشاركين 43.9 عامًا، وامتد تاريخهم الرياضي في الركض إلى نحو 14.7 عامًا، بمعدل مشاركة وصل إلى خمسة ماراثونات لكل عدّاء.
وتضمن الاستبيان 30 سؤالًا دقيقًا تناولت:
- عدد سنوات ممارسة الركض والمسافة التي يقطعها العدّاء أسبوعيًا.
- تاريخ الإصابات أو الآلام التي تعرض لها في الركبة أو الورك.
- عوامل وراثية كوجود تاريخ عائلي لالتهاب المفاصل.
- بيانات شخصية مثل العمر والطول والوزن والمهنة.
نتائج تفنّد المعتقدات الطبية السائدة
خلافًا للتوقعات، كشفت الدراسة أن نسبة الإصابة بالتهاب مفاصل الركبة أو الورك بين المشاركين لم تتجاوز 7.3%، كما لم تُظهر النتائج أي علاقة بين ممارسة الركض – سواء من حيث عدد السنوات أو المسافات أو عدد الماراثونات – وبين ارتفاع خطر الإصابة بالتهاب المفاصل.
المثير للدهشة، أن 25% من المشاركين أفادوا بأن أطباءهم نصحوهم بتقليل الركض كإجراء وقائي، فيما تلقى ما يقارب 50% منهم توصيات بالتوقف عنه نهائيًا. ورغم هذه النصائح، أظهر الاستطلاع أن أكثر من 94% من العدّائين يعتزمون المشاركة في ماراثونات مستقبلية، مما يعكس ثقتهم العميقة بفوائد هذه الرياضة.
العوامل الحقيقية خلف التهابات المفاصل
أوضحت الدراسة أن الإصابة بالتهاب المفاصل ترتبط بعدة عوامل، أبرزها:
- التقدم في العمر
- ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI)
- وجود إصابات أو عمليات جراحية سابقة في المفاصل
- التاريخ العائلي للمرض
أما الركض المنتظم، وحتى الطويل المدى، فلم يظهر كعامل خطر على الإطلاق، بل يبدو أن ممارسته بوعي قد تساهم في الحفاظ على صحة المفاصل وتقوية العضلات الداعمة لها.
رسالة طبية جديدة: لا تخف من الركض
تتماشى نتائج هذه الدراسة مع أبحاث حديثة أخرى بدأت تدحض الفرضية القديمة بأن الركض يسرّع تآكل المفاصل. بل على العكس، يرى بعض الأطباء اليوم أن النشاط البدني المعتدل والمستمر، مثل الركض، يمكن أن يُعزز الدورة الدموية ويُحسن صحة الغضاريف، خصوصًا عندما يُمارس بطريقة متوازنة، ومع الالتزام بالتقنيات الصحيحة واختيار الأحذية المناسبة.
الركض قد يكون صديق المفاصل لا عدوها
هذه الدراسة تسلط الضوء على الحاجة إلى مراجعة التوصيات الطبية التقليدية، وتؤكد أن الحكم على ممارسة رياضة معينة يجب أن يكون مبنيًا على بيانات علمية موثوقة لا على تصورات قديمة. وفي ضوء هذه النتائج، قد يُنظر للركض بوصفه نشاطًا وقائيًا أكثر من كونه خطرًا خفيًا، شرط أن تتم ممارسته ضمن حدود اللياقة والوعي الصحي.