عاجل

بعد واقعة الشرقية.. الإفتاء: إخفاء الأمراض النفسية عند الخطبة غش وتدليس

الزواج والصحة النفسية
الزواج والصحة النفسية

في ضوء ما يشهده المجتمع من ارتفاع في نسب الاضطرابات النفسية وتزايد الأسئلة المرتبطة بالزواج والصحة النفسية.

إخفاء الأمراض النفسية عند الخطبة غش وتدليس

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول "يعاني صديق لي من مرض نفسي يحتاج إلى المتابعة مع الطبيب النفسي والعلاج؛ فهل يجب على مَن يُعَالج من مرض نفسي أن يخبر مخطوبته بذلك؟

وأجابت بعد الرجوع إلى أهل الاختصاص في الطب النفسي، يتبيّن أن الأمراض النفسية تختلف في درجتها وتأثيرها من شخص لآخر، فبعضها يكون خفيفًا ويمكن التكيّف معه دون أن يؤثر على مقاصد الزواج أو يُخلّ بالحقوق الزوجية، بينما هناك حالات أخرى تكون أشد تأثيرًا، ويصعب معها استمرار الحياة الزوجية بشكل طبيعي.

وبناءً على ما ورد في السؤال من كون صديق السائل يعاني من مرض نفسي، فإن الواجب عليه هو مراجعة الطبيب المختص لتقييم حالته بدقة، وتحديد ما إذا كان مرضه يُعد مؤثرًا على مقاصد الزواج ويجب إخباره للطرف الآخر، أو أنه غير مؤثر ولا يلزمه حينها الإفصاح عنه

حق كل من الخاطبَين في معرفة العيوب قبل الزواج

أولى الإسلام عقد الزواج عنايةً بالغة، باعتباره من أقدس العقود التي تبنى عليها الأسرة، وتحفظ بها الأنفس والأنساب. ولضمان استقرار الحياة الزوجية وتحقيق المودة والرحمة بين الزوجين، قرر الشرع الشريف جملة من الأحكام والقواعد، من أهمها: وجوب مراعاة حقوق كل من طرفي العقد، سواء قبل انعقاده أو بعده، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].

ومن هذه الحقوق الثابتة قبل الزواج: ضرورة تحقق الرضا الكامل بين الطرفين، وذلك لا يتحقق إلا بإطلاع كل طرف على ما قد يؤثر على قرار الزواج، خاصة العيوب الجسدية أو النفسية المؤثرة.

وقد ورد في الحديث الصحيح أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، لما خطبها معاوية وأبو جهم، استشارت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له» [رواه مسلم]، وهذا يدل على جواز بل ومشروعية إخبار الطرف الآخر بأي صفة أو عيب قد يؤثر على الحياة الزوجية، حتى وإن لم يكن ذلك عيبًا مؤثرًا مباشرًا.

الأمراض التي يجب الإخبار بها عند الخطبة

بيّن الفقهاء أن العيوب المؤثرة في مقاصد الزواج – من السكن والمودة والرحمة – توجب الإخبار بها للطرف الآخر قبل العقد. وقد نصوا على عدد من العيوب الجسدية والعقلية، مثل: الجنون، الجذام، البرص، العقم، الفتق، والعنة.

وبالرغم من أن كثيرًا من هذه النصوص ركزت على الأمراض الجسدية، إلا أن العلة التي بنوا عليها الأحكام – وهي “الضرر أو الإخلال بمقصود الزواج” – يمكن تطبيقها أيضًا على الأمراض النفسية، بل قد تكون في بعض الحالات أشد تأثيرًا من الأمراض الجسدية، كما أفاد المتخصصون في الطب النفسي.

وينقسم المرض النفسي إلى نوعين بحسب تأثيره على الحياة الزوجية:
1. أمراض نفسية مؤثرة بشدة ويصعب التعايش معها، مثل:
• الفصام (كالبارانويا)
• الاضطرابات الذهنية الشديدة (كالذهان)
• الهوس أو الوسواس القهري الحاد
وهذه الأمراض يجب على المصاب بها أن يُخبر بها الطرف الآخر قبل الزواج، لأن كتمانها يُعدّ تدليسًا وغشًّا شرعًا.
2. أمراض يمكن التكيّف معها ولا تخلّ بمقصود الزواج، مثل:
• القلق البسيط
• اضطرابات النوم أو الأكل
• الخوف الاجتماعي
إذا لم تصل إلى حدٍّ يؤثر على الطرف الآخر أو يهدد استقرار الأسرة، فلا يلزم المصاب الإخبار بها، وإن كان من الأفضل ذلك من باب الشفافية وحسن النية.

الحُكم في الحالات النفسية والمرجعية الطبية

نظرًا لاختلاف شدة المرض النفسي من حالة إلى أخرى، أكدت الفتاوى أن المرجع في تحديد ما إذا كان المرض مؤثرًا ويجب الإخبار به هو الطبيب النفسي المختص.

ولا يجوز للمريض أن يكتفي برأيه الشخصي في تقرير ذلك، لأن الشريعة لا تقبل الجمع بين صفة “الخصم والحَكَم”، خاصة في ما يتعلق بحقوق الغير.

فإذا قرر الطبيب أن المرض مؤثر على الحياة الزوجية، وامتنع المصاب عن إخبار الطرف الآخر، فإنه يتحمّل الإثم الشرعي، لما في ذلك من التدليس والغش المحرم، خاصة في عقد النكاح الذي وصفه الله بأنه “ميثاق غليظ”.

النصوص الدالة على وجوب الإخبار وتحريم الغش

ورد عن النبي ﷺ أنه قال: «من غشّنا فليس منّا» [رواه مسلم].
كما ورد أنه ﷺ ردّ امرأة بعدما اكتشف عيبًا أخفي عنها، وقال: “دلّستُم عليَّ” [رواه البيهقي].

كذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسّها، فلها صداقها كاملًا، وعلى وليّها الغُرم” [رواه مالك والبيهقي].

وصية أخلاقية في التعامل مع المريض النفسي

مع وجوب الإخبار عند التأثير، إلا أن الإسلام أمر بالستر، ونهى عن التشهير أو السخرية من المبتلى، بل حث على الستر والرحمة. قال ﷺ: «إن الله ستيرٌ يحب الستر» [رواه عبد الرزاق والبيهقي].

فلا يجوز استغلال المرض النفسي للنيل من كرامة الإنسان أو التنمّر عليه، بل يجب معاملته باحترام، سواء تمّ الزواج أو لم يتم، حفاظًا على كرامته وحقوقه

تم نسخ الرابط