عاد كيوم ولدته أمه.. ما هي آداب الرجوع بعد الحج؟ الإفتاء توضح

الحج ليس مجرد رحلة روحانية تنقضي بانتهاء المناسك، بل هو ميلاد جديد للروح، وتجديد للعهد مع الله. يعود الحاج من أطهر بقاع الأرض خاليًا من الذنوب، نقيًّا كاليوم الذي وُلد فيه، كما أخبر بذلك النبي ﷺ. وقد ورد إلى دار الإفتاء سؤال ما هي آداب الرجوع من الحج؟ فوالدي سافر إلى الحج هذا العام، وطلب مني أن أسألكم عن أهم الآداب التي تُراعى لمن هو عائد من الحج.
ما هي آداب الرجوع بعد الحج؟
وأجابت بأن من الآداب المهمة التي يُستحب أن يلتزم بها من عاد من الحج: أن يُبادر بالرجوع إلى أهله دون تأخير، وأن يلازم الدعاء وذكر الله، ويحرص على إقامة النقيعة - وهي دعوة للناس على طعام عند قدومه - كما يُستحب أن يُعلِم أهله بموعد وصوله، ويجتهد في الابتعاد عن المعاصي، ويُداوم على التعلّق بالآخرة وأعمال الصالحين، حتى يظل محافظًا على صفاء النفس ونقائها الذي خرج به من رحلته الإيمانية، ويكون حاله بعد الحج أرقى وأفضل مما كان عليه قبله.
فضل الحج وأثره في النفس والسلوك
الحج إلى بيت الله الحرام ليس مجرد عبادة تؤدى بالجسد، بل هو نفحة ربانية تهب على روح المسلم فتطهّرها، وتفتح له أبواب الرحمة والمغفرة. فإذا وفَّق الله عبده إلى أداء فريضة الحج مخلصًا النية، مجتنبًا الرفث والفسوق، فإنه يعود إلى أهله وقد غُفِرت ذنوبه، كما أخبر النبي ﷺ: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» (متفق عليه).
ولمكانة الحج العظيمة في نفوس المسلمين، فإن من أكرمه الله بهذه الفريضة ينظر إليه الناس نظرة توقير وإجلال، لأنه حديث عهد بالبيت العتيق ومشاعر الإيمان، ولذلك ينبغي أن يظهر أثر هذه الرحلة المباركة على سلوكه وأخلاقه، وأن يكون حاله بعد الحج خيرًا مما كان قبله.
وقد ورد عن بعض السلف أن من علامات الحج المبرور تحسُّن حال العبد واستقامته، فقد قال الحسن البصري رحمه الله في وصف الحج المبرور: “أن ترجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة”، فيكون الحاج بعد عودته أكثر تواصلًا مع الله، وأكثر حرصًا على الطاعة، وأبعد عن الذنوب والغفلة. وهذا هو التغيير الحقيقي الذي يجب أن يرافق نعمة الحج؛ حتى يَظهر أثر النعمة على العبد، كما قال النبي ﷺ: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (رواه الترمذي وأحمد).
آداب الرجوع من الحج
عند العودة من هذه الرحلة المباركة، هناك مجموعة من الآداب النبوية المستحبة التي تُكمِل فضل الحج وتزيد من بركته:
• التعجيل بالرجوع إلى الأهل: يُستحب للحاج أن يعود سريعًا إلى أهله بعد أداء مناسكه، كما قال ﷺ: «إذا قضى أحدكم حجَّه، فليُعجِّل الرحلة إلى أهله، فإنه أعظم لأجره» (رواه الدارقطني).
• الدعاء في السفر: من السنة أن يردد دعاء السفر عند ركوب وسيلة النقل، ويُكرّر التكبير وذكر الله، وعند الرجوع يزيد عليه: «آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون» (رواه مسلم).
• إعلان التوحيد والتكبير عند القُدوم: كان النبي ﷺ إذا عاد من حج أو عمرة أو غزو، يُكبر على كل مرتفع، ويقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له… صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» (متفق عليه)، تعظيمًا لله واعترافًا بنعمته.
• إعلام الأهل بموعد الوصول: يُستحب أن يُرسل الحاج من يُخبر أهله بقدومه، حتى لا يفاجئهم، كما نص الإمام النووي في “الإيضاح”.
• الدعاء عند دخول البلد: إذا اقترب من بلده، يستحب أن يدعو: “اللهم اجعل لنا بها قرارًا ورزقًا حسنًا…” كما ورد عن السلف، وأن يستعيذ بالله من شرها وشر أهلها.
• الضيافة أو “النقيعة”: يُستحب للحاج أن يدعو أهله وأصدقاءه للطعام عند عودته، شكرًا لله على التيسير والقبول. وقد فعل النبي ﷺ ذلك عند رجوعه من السفر، كما في صحيح البخاري، وسُمي هذا الطعام “النقيعة” لكون العائد يحمل أثر السفر وغباره.
• إدخال السرور على الأهل بالهدايا: من المستحب أن يحمل الحاج بعض الهدايا البسيطة لأهله وأحبته؛ كالطيب أو المسبحة أو سجادة الصلاة، مما يبعث الفرح في النفوس ويغرس الشوق في القلوب إلى زيارة البيت الحرام.