هل يجوز إهداء ثواب الأعمال الصالحة للأحياء والأموات؟.. الإفتاء توضح

في ظل تساؤلات متكررة حول مشروعية إهداء ثواب الأعمال الصالحة للغير، سواء كانوا أحياءً أم أمواتًا، أجابت دار الإفتاء أنه :يُعتبر إهداء ثواب الأعمال الصالحة للغير – سواء أكان حيًّا أم ميتًا – جائزًا شرعًا بإجماع كثير من العلماء، ويصل الثواب إليه بإذن الله تعالى؛ إذ إن الله سبحانه وتعالى كريمٌ إذا سُئل أعطى، وإذا دُعي أجاب.
وقد ثبت في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحّى بكبش أقرن وقال: «هذا عني، وعمَّن لم يُضحِّ من أمتي» (رواه الإمام أحمد في المسند)، وهو دليل واضح على جواز إهداء ثواب العمل الصالح للغير.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نوى بأضحيته أن يشرك غيره في الأجر، ممن لم يتمكن من أداء هذه الشعيرة، مما يدل على أن القربات يشترك في ثوابها من أُهدي له، حتى إن لم يباشر العمل بنفسه.
ويؤخذ من ذلك أن سائر الأعمال الصالحة – كالصلاة، والصدقة، وقراءة القرآن، والدعاء – إذا أُهدي ثوابها لشخص آخر، فإن نفعها بإذن الله يصل إليه، تأسِّيًا بفعله صلى الله عليه وآله وسلم، واقتداءً بهديه، وهو من أعظم صور التراحم والتكافل في الشريعة
آراء المذاهب الفقهية في حكم إهداء ثواب القربات للأحياء والأموات
تباينت آراء المذاهب الفقهية حول مسألة إهداء ثواب الأعمال الصالحة للغير، سواء كانوا من الأحياء أو الأموات، بين من أجاز ذلك على الإطلاق، ومن قيده بما تقبله النيابة شرعًا.
■ رأي الحنفية والحنابلة: الجواز المطلق
ذهب جمهور فقهاء الحنفية والحنابلة إلى جواز هبة ثواب جميع القربات للغير، سواء تقبل تلك القربة الإنابة أم لا، وسواء أُهدي الثواب إلى حيٍّ أم ميت.
فقد أشار الإمام الكاساني الحنفي في كتابه “بدائع الصنائع” إلى أن من صام أو تصدق أو صلى وجعل ثواب عمله لغيره من الأموات أو الأحياء، فإن ذلك جائز، ويصل الثواب بإجماع أهل السنة والجماعة.
كما دعم العلامة ابن عابدين هذا الرأي في “رد المحتار”، موضحًا أن إهداء ثواب العبادات – سواء كانت صلاة أو صيامًا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غيرها من أعمال البر – يصل إلى الغير، ولا ينقص من أجر الفاعل شيء، بل يُستحب أن يَنوي بها عامة المسلمين.
من جانبهم، أكد فقهاء الحنابلة نفس المبدأ؛ حيث صرح الإمام البهوتي في “كشاف القناع” أن كل قربة يفعلها المسلم، ويُهدي ثوابها – أو جزءًا منها – لمسلم آخر، حيًّا كان أو ميتًا، فإن ذلك جائز، ويُرجى أن يناله نفع ذلك العمل.
وبالمثل، بيّن الإمام الرحيباني في “مطالب أولي النهى” أن ثواب القربات يصل بإهدائه إلى الحي والميت على حد سواء، سواء كانت القربة من العبادات التي تدخلها النيابة كالحج، أو التي لا تدخلها كالقراءة والدعاء والصدقة والصلاة.
■ رأي المالكية والشافعية: الجواز المقيّد بما تقبله النيابة
في المقابل، ميَّز فقهاء المالكية والشافعية بين أنواع القربات، فذهبوا إلى أن ما يُهدى ثوابه للغير لا بد أن يكون مما تقبله النيابة، كالدعاء والصدقة والعتق، دون ما لا تقبله، مثل الصلاة والصيام.
فقد بيّن الإمام الدردير المالكي في “الشرح الكبير” أن الأعمال التي تقبل الإنابة – كالدعاء والصدقة والهدي والعتق – يُستحب فعلها عن الميت، أما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام، فلا تُهدى عنه، لأنها لا تُؤدى بالنيابة.
وسار الإمام الماوردي الشافعي في “الحاوي الكبير” على ذات النهج، مستندًا إلى قول الله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾، مؤكدًا أن ما خُصَّ بالأبدان من العبادات لا تُقبل فيه النيابة، وبالتالي لا يصح إهداء ثوابه للغير.
■ الرأي المختار للفتوى
الراجح من أقوال الفقهاء، والذي تميل إليه الفتوى، هو جواز إهداء ثواب القربات للغير مطلقًا – للأحياء والأموات – سواء كانت من العبادات المالية أو البدنية.
ويُستدل لذلك بما رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى بكبش وقال: «هذا عني، وعن من لم يُضحِّ من أمتي»، وهو حديث رواه الإمام أحمد، ويفيد جواز إهداء الثواب حتى في القربات البدنية، كالذبح، لغير الفاعل.
كما يدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّم الأمة أن العبد يُمكن أن يُهدى إليه ثواب عمل لم يعمله، فينتفع به، وهو ما يُعد تأصيلًا شرعيًّا واضحًا لهذا الباب من أبواب البرّ والفضل، ويؤيده عموم أدلة الترغيب في الدعاء والاستغفار للغير، أحياءً كانوا أم أمواتًا