ما حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل؟.. دار الإفتاء توضح

مع اقتراب انتهاء موسم الحج، تبرز العديد من التساؤلات حول تفاصيل أداء المناسك، خصوصًا ما يتعلق بطواف الوداع، الذي يعتبر ختام مناسك الحج. وفي هذا السياق، يثار سؤال هام حول حكم ترك طواف الوداع لدى المرأة الحامل، وهل يؤثر ذلك على صحة حجها أم يترتب عليه دم أو كفارة
وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية أنه :لا يُطلب من المرأة الحامل أداء طواف الوداع إذا تعذر عليها ذلك، ولا يترتب على تركها له إثم أو فدية، وحجها يبقى صحيحًا ما دامت قد أدت أركانه كما يجب. وذلك لأن طواف الوداع – بحسب القول الراجح – سنة مستحبة، وليس واجبًا، فلا يلزم بتركه دم
بيان المقصود بطواف الوداع والمكلّفين به
يُعرف طواف الوداع بأنه الطواف الذي يؤديه الحاج بعد انتهائه من مناسك الحج، عند عزمه مغادرة مكة، ليكون آخر عهده بالبيت الحرام، ويُختتم به نسكه. وله أسماء أخرى منها: طواف الصدر، نظرًا لصدور الحاج عن البيت بعد أدائه، وطواف العهد، لأنه يكون بمثابة ختام العلاقة الروحية التي جمعت الحاج بالبيت الحرام خلال رحلة الحج.
ويكون وقت هذا الطواف قبل مغادرة مكة مباشرة، ولا يُشرع إلا للحجاج القادمين من خارج مكة، ويُستثنى منه أهل مكة وسكانها أو من نوى الإقامة فيها بعد الحج؛ إذ إن المعنى المقصود من الطواف – وهو التوديع – لا يتحقق في حق من يقطن مكة، وقد أجمعت المذاهب على ذلك، كما صرّح ابن رشد في “بداية المجتهد” والرافعي في “فتح العزيز”.
حكم طواف الوداع وموقف الفقهاء
المذهب الراجح عند عدد من الفقهاء، والمعتمد للفتوى، هو أن طواف الوداع سُنّة مستحبّة، لا يُوجب شيئًا على من تركه، وحجّه صحيح، لكنه يفوّت فضيلة الختام بالطواف. وهذا ما ذهب إليه المالكية، وابن المنذر، وداود الظاهري، ومجاهد في إحدى الروايتين عنه، وهو قول للشافعية.
وقد استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال:
“لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت” – متفق عليه.
وفي رواية أخرى عنه:
“أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض” – رواه مسلم.
وقد استنبط الفقهاء من هذا أن الترخيص للحائض في ترك الطواف دون إلزام بدم أو بديل يدل على أنه غير واجب، لأن الوجوب يتطلب التدارك أو الكفارة عند الفوات، وهذا لم يقع.
كما أوردت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ أذن لصفية رضي الله عنها بمغادرة مكة لما علِم أنها طافت طواف الإفاضة، ولم يحبسهم من أجل طواف الوداع، مما يدل على أنه ليس من فروض الحج.
حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل
فيما يتعلق بالحالة الخاصة للمرأة الحامل، إذا كانت قد بدأت الطواف ثم ألمّ بها عذر صحي بسبب الحمل حال دون إتمامه، ولم تتمكن من العودة إليه، فلا شيء عليها، وحجّها صحيح وكامل، ما دامت قد أدّت باقي الأركان كما ينبغي. وذلك لأن المختار – كما مر – أن طواف الوداع سنة، فلا يجب بتركه دم أو فدية.
وقد صرح بذلك علماء المالكية والشافعية، فقال الشيخ المنوفي في “كفاية الطالب الرباني” أن الطواف مستحب، ولا دم في تركه، ووافقه العدوي في الحاشية قائلًا: “وهو الراجح”. وقال النووي في “منهاج الطالبين”: “وفي قول: سنة لا يُجبر”.
وحتى على القول بوجوبه عند الحنفية، فإن القاعدة المقررة لديهم أن الواجب الذي يُترك لعذر لا يُوجب كفارة، ولهذا أعفيت الحائض – مع كون الطواف واجبًا عندهم – من أداء طواف الوداع، ولم يُطلب منها دم، ومثلها من أصيبت بعذر يمنعها من الأداء كالمرأة الحامل.
وقد بيّن الإمام الكاساني في “بدائع الصنائع” هذه القاعدة الفقهية، مؤكدًا أن كل نُسك جاز تركه لعذر، فلا تجب فيه الكفارة، وهو ما ينطبق على طواف الوداع حال وجود عذر شرعي يمنع من إتمامه