هل يجوز الأكل من هدي التطوع في الحج؟ دار الإفتاء تُجيب

يتساءل كثير من الحجاج عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالنسك والهدي، خاصة هدي التطوع الذي يُقدَّم تقربًا إلى الله دون أن يكون من أنواع الهدي الواجبة، وفي هذا السياق، ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال شائع "هل يجوز الأكل من الهدي التطوعي غير دم التمتع والقران؟"، خاصة إذا كان الحاج قد ذبحه بنية التقرب وليس بوجوب النسك.
وأجاب الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، جموع المسلمين بأن ما فعله والد السائل من ذبح هدي تطوعي وأكله منه هو أمر جائز شرعًا ولا حرج فيه، مشيرًا إلى أن الأكل من هدي التطوع مباح للحاج سواء ذُبح داخل الحرم أو خارجه.
دار الإفتاء: ما فعله والدك صحيح شرعًا
أوضح المفتي عبر موقع دار الإفتاء الرسمي أن هدي التطوع يختلف عن هدي التمتع أو القِران، والذي يجب فيه الامتناع عن الأكل في حالات معينة، مؤكدًا أن الهدي التطوعي غير مرتبط بوجوب معين، وإنما هو فعل يُستحب للحاج القيام به، تقربًا لله وشكرًا على أداء فريضة الحج.
وأضاف الدكتور نظير عياد، أن هذا النوع من الهدي يجوز الأكل منه والتصدق، قائلًا: "فما فعله والدك من الذبح والأكل منه لا حرج فيه شرعًا، بل هو من السنن الطيبة".
المقصد الشرعي من الهدي.. تعظيم لشعائر الله
وسلطت دار الإفتاء الضوء على البُعد الروحي والمعنوي للهدي، مشيرة إلى أن المقصد من تشريعه هو تعظيم شعائر الله تعالى، والتعبير عن الشكر على أداء الحج، ومواساة الفقراء والمساكين.
واستشهدت الآية الكريمة من سورة الحج (36):﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾، والتي تُبرز بشكل واضح أن الهدف من الهدي ليس الذبح فقط، بل أيضًا الإحسان للمحتاجين والتقرب لله بالطاعة.
رأي العلماء والفقهاء في هدي التطوع
أشار المفتي إلى اتفاق العلماء من مختلف المذاهب على أن ذبح الهدي في مكة عمل مستحب ومحبب شرعًا، ما لم يكن واجبًا بسبب التمتع أو القِران أو مخالفة توجب الدم.
وأكد أن الهدي شرعًا لا يختلف معناه كثيرًا عن معناه اللغوي، إذ يُقصد به ما يُهدى إلى الحرم من الإبل أو البقر أو الغنم تقربًا لله تعالى، وذلك وفقًا لما ذكره الإمام الحصكفي في كتابه "الدر المختار"، قائلًا: "ما يُهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم تقربًا إلى الله -تعالى- بشرائط".
كما استدل بقول ابن القطان في كتاب "الإقناع في مسائل الإجماع": "واتفقوا أن الهدي إلى مكة حسن"، أي أن جميع الفقهاء متفقون على فضيلة وأهمية هذا الفعل، مما يؤكد شرعية ما قام به والد السائل من هدي وأكل منه، كونه يدخل في إطار المستحب لا الواجب.
الفرق بين هدي التطوع وهدي التمتع والقِران
من المهم توضيح الفارق بين أنواع الهدي في مناسك الحج، حيث تنقسم إلى نوعين رئيسيين:
- هدي واجب: وهو المرتبط بمناسك القِران والتمتع أو في حال ارتكاب محظور أو ترك واجب، ولا يجوز الأكل منه في بعض الحالات.
- هدي تطوع: وهو ما يقدمه الحاج أو المعتمر طوعًا دون إلزام، ويجوز له الأكل منه، كما يمكن توزيع جزء منه على الفقراء والمساكين، وهذا ما أكدت عليه دار الإفتاء في هذه الفتوى.
هل يشترط الذبح داخل الحرم؟
أجابت دار الإفتاء عن هذا التساؤل ضمنيًا، حيث ذكرت أن الأكل من الهدي التطوعي جائز سواء ذُبح داخل الحرم أو خارجه، ما دام المقصد هو التقرب إلى الله وليس أداء نسك معين يلزمه الذبح داخل الحرم.
وهذا ما يفتح الباب للحجاج الراغبين في نيل الثواب أن يقدموا الهدي خارج الحرم دون حرج، بشرط أن يكون الذبح موافقًا للشروط الشرعية في الأهلية والنية والذبح الحلال.
الأكل من هدي التطوع مباح
في ضوء ما سبق، تؤكد دار الإفتاء، أن الأكل من هدي التطوع لا يخالف الشريعة الإسلامية، بل هو أمر مندوب يُستحب فعله، نظرًا لما فيه من تعظيم لشعائر الله، وإحياء لمعاني العبودية، وتعبير عن الشكر على نعمة أداء فريضة الحج.
كما أن ما فعله والد السائل – وفقًا لما ورد بالفتوى – صحيح شرعًا، ويثاب عليه بإذن الله، سواء ذبح الهدي داخل الحرم أو خارجه، ما دام القصد هو وجه الله وحده.
نصيحة للحجاج: اجعل نيتك خالصة لله
تدعو دار الإفتاء، الحجاج إلى الحرص على تقديم الهدي بنية التقرب إلى الله، لا مجرد اتباع العادة، مع التأكيد على أن أبواب الخير في الحج كثيرة، ومن بينها هذا الهدي الذي يجمع بين الأجر والشكر والإحسان للفقراء.
فمن ذبح تطوعًا وأطعم غيره وأكل منه، فقد جمع بين فضائل كثيرة، كما تقول دار الإفتاء: "ذلك من تعظيم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".