عاجل

ما بين الحقيقة والتشكيك.هل يُحسّن المشي حافيًا صحتك النفسية والجسدية

المشي حافيًا على
المشي حافيًا على التراب

في عالمٍ يزداد فيه الاعتماد على العلاجات الدوائية والتقنيات الطبية المتطورة، يعود الاهتمام اليوم بممارسات طبيعية وبسيطة كـ المشي، منها ما يُعرف بـ"التأريض" أو المشي حافيًا على التراب والعشب والرمال، كوسيلة محتملة لتحسين الصحة النفسية والجسدية.

يعتمد هذا الاتجاه على فرضية تقول إن الاتصال المباشر بين جسم الإنسان وسطح الأرض يُمكن أن يُعيد التوازن الحيوي للجسم ويُقلل من التوتر، عبر تفاعل الجسم مع الشحنات الكهربائية للأرض.

لكن، هل لهذا الادعاء أساس علمي موثوق؟ أم أنه مجرد وهم حديث مغلف بنفحات الطبيعة والنوستالجيا؟

كيف يعمل التأريض؟ الإلكترونات الحرة في خدمة الجسد

تستند فكرة التأريض إلى مفهوم فيزيائي مفاده أن سطح الأرض مشحون طبيعيًا بـ"إلكترونات حرة سالبة"، وعند ملامسة الجسم البشري لها دون حاجز – مثل الأحذية أو الأسطح العازلة – ينتقل جزء من هذه الإلكترونات إلى الجسم.

ويُعتقد أن هذه الإلكترونات تعمل على:

  • تحييد الشحنات الموجبة الزائدة في الجسم.
  • خفض مستويات الالتهاب والأكسدة.
  • استقرار الإشارات الكهربائية الحيوية داخل الجسم، خاصة في الجهاز العصبي.

وبالتالي، يُعتقد أن التأريض قد يُساعد في تحسين المزاج، وتنظيم النوم، وتعزيز وظائف الجهاز الدوري والعصبي.

التأثير على التوتر والقلق: ماذا تقول الدراسات؟

أشارت دراسة نُشرت عام 2012 في مجلة Journal of Environmental and Public Health إلى أن التأريض ساهم في خفض مستويات هرمون الكورتيزول، وهو الهرمون المسؤول عن التوتر، لدى مجموعة من المشاركين.

كما خلُصت دراسة أخرى نُشرت عام 2006 في المجلة الدولية للتكنولوجيا والإدارة البيئية إلى أن النوم أثناء الاتصال المباشر بالأرض ساعد في تخفيض مستويات الكورتيزول الليلي، مما أدى إلى:

  • تحسين جودة النوم.
  • تنظيم الساعة البيولوجية.
  • تقليل مشاعر القلق.

التأريض والالتهابات: هل يمكنه تخفيف الألم؟

في عام 2013، نشرت مجلة Journal of Inflammation Research نتائج دراسة تشير إلى أن التأريض قد يُساهم في:

  • تقليل المؤشرات الحيوية المرتبطة بالالتهاب.
  • خفض مستويات الألم العضلي والمفصلي.
  • تسريع تعافي الجسم بعد الإصابات أو الجهد البدني.

يُعزى ذلك إلى قدرة الإلكترونات الأرضية على تثبيط الجذور الحرة، وهي جزيئات ضارة تُسبب الإجهاد التأكسدي والالتهاب المزمن في الجسم.

فوائد للقلب والدورة الدموية؟

أظهرت دراسة أخرى نُشرت عام 2013 في مجلة Journal of Alternative and Complementary Medicine أن التأريض قد يؤثر على:

  • تحسين تدفق الدم إلى الأطراف.
  • خفض لزوجة الدم، وهو عامل خطر معروف في الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
  • تنظيم ضغط الدم، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من القلق والتوتر.

لكن الباحثين يؤكدون ضرورة إجراء دراسات أكبر وأكثر صرامة لتأكيد هذه النتائج.

ما الذي يشكك فيه العلماء؟

على الرغم من النتائج المشجعة، فإن عددًا من العلماء والباحثين يبدون تحفظًا تجاه التأريض، ويركزون على النقاط التالية:

  • قلة الدراسات واسعة النطاق، واعتماد معظم الأبحاث على عينات صغيرة.
  • افتقار بعض الدراسات إلى العشوائية أو العمى المزدوج، وهو معيار مهم في البحوث العلمية.
  • احتمال وجود تأثير نفسي أو ما يُعرف بتأثير الدواء الوهمي (Placebo Effect)، أي أن الفوائد قد تكون نتيجة الإيحاء وليس التأريض الفعلي.
  • عدم توحيد ظروف التجربة مثل نوع التربة، مدة المشي، أو الوضعية الجسدية.

هل التأريض بديل طبي؟

يُجمع غالبية المتخصصين على أن التأريض ليس علاجًا طبيًا قائمًا بذاته، لكنه يُمكن أن يكون جزءًا من نمط حياة متكامل، يشمل:

  • نظام غذائي متوازن.
  • نشاط بدني منتظم.
  • عناية بالصحة النفسية.
  • النوم الجيد والتعرض المعتدل للشمس.

كما يوصى بعدم الاعتماد على التأريض كبديل للعلاجات الطبية المثبتة، خاصة في حالات الأمراض المزمنة أو النفسية، بل يمكن استخدامه كعامل مساعد محتمل.

العودة إلى الأرض.. ولكن بعينٍ نقدية

رغم الجدل العلمي، يُمثّل التأريض توجهًا إنسانيًا نحو البساطة والتواصل مع الطبيعة في زمن تتسارع فيه الحياة والتقنيات. قد لا يكون الحل السحري، لكنه يمثل لحظة تأمل وتجدد يستحق التجربة، بشرط أن تكون مبنية على وعي صحي وتقييم علمي مستمر.

المشي حافيًا قد لا يعالج الأمراض، لكنه قد يُذكّرك بأهمية التوازن بين الجسد والعقل... والأرض.

تم نسخ الرابط