عاجل

مع اقتراب موسم الحج .. هل يجوز التصوير أثناء أداء المناسك ؟

الحج
الحج

مع اقتراب موسم الحج وتوافد ملايين المسلمين من شتى أنحاء العالم إلى الأراضي المقدسة، يكثر الحديث عن بعض السلوكيات التي قد تخرج عن روح العبادة والوقار المطلوب في هذه الأماكن المباركة. ومن أبرز هذه الظواهر التي باتت تتكرر مؤخرًا: كثرة الانشغال بالتصوير أثناء أداء المناسك، سواء للحجاج أنفسهم أو من يرافقونهم وأجابت دار الإفتاء في هذا السياق بأنه :

يجوز شرعًا تصوير الحجاج أثناء أداء مناسك الحج، ما دام ذلك لا يؤدي إلى إعاقة الآخرين أو التسبّب في مضايقتهم، وخاصةً كبار السن وأصحاب الحالات الخاصة الذين قد يتأخرون بسبب كثرة التصوير. أما التصوير المبالغ فيه، فقد يُوقِع أصحابه ومن حولهم في مشقة لا مبرر لها.

وينبغي على المحرم وغير المحرم أن يتحلى بالأدب والتوقير أثناء التواجد في الأماكن المقدسة، وعلى رأسها المسجد الحرام، تعظيمًا لبيت الله الحرام، كما أمر سبحانه وتعالى. ومن الأفضل أن يكون الحاج منصرفًا إلى العبادة بخشوع، وأن يشغل نفسه بإتمام المناسك على أكمل وجه، طلبًا لرضا الله وأملًا في أن يُكتب له حج مبرور وذنب مغفور


تعظيم شعائر الله من دلائل تقوى القلوب

يُعدّ تعظيم شعائر الله عزّ وجلّ من أعظم العبادات القلبية التي تدل على تقوى العبد وخضوع قلبه لله، كما ورد في قوله تعالى:
﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

ويشمل تعظيم الشعائر: توقيرها، وإجلالها، واحترامها، والقيام بها على الوجه المشروع، إذ إنّ تعظيمها من تعظيم الله سبحانه وتعالى ذاته، كما أشار ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 13]، أي: لا تُقدِّرون عظمة الله حقّ قدره، كما نقله الإمام السمرقندي.

وقال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب: إن الله سبحانه، بما أنه الخالق والمالك، فتعظيمه واجب على عباده، ويكون ذلك بتوقير ما أمر به من شعائر، ومراعاة آدابها.

الحج شعيرة من شعائر الله.. فكيف نعظّمه؟

وبما أن الحج من أعظم الشعائر، فإن تعظيمه يكون بإظهار الأدب والخشوع خلال أدائه، سواء في الطواف، أو السعي، أو الوقوف بعرفة، أو رمي الجمرات. ومن صور التعظيم: الالتزام بالسكينة، وتجنّب ما قد يُخلّ بجوّ العبادة، كالانشغال المفرط بالتصوير التذكاري.

فالانشغال المبالغ فيه بالتصوير قد يؤدي إلى إعاقة الآخرين، خصوصًا كبار السن وأصحاب الحاجات، أو يسبب تعطيلاً في سير أداء المناسك، أو خللًا في تنظيم حركة الأفواج. وعند حصول الضرر أو الإيذاء نتيجة ذلك، فإنّ التصوير يُعدّ منهيًا عنه شرعًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [رواه ابن ماجه].

وقد أوضح العلماء أن هذا النهي يشمل الضرر الكبير والصغير، وأن عموم اللفظ يدل على تحريمه في كل الأحوال، إلا ما استثناه الشرع لمصلحة واضحة.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: الضرر اسم، والضرار فعل، والمعنى أن الإنسان لا يجوز أن يُدخل على غيره أذى بأي وجه من الوجوه، وهذا مبدأ عام يشمل معظم شؤون الحياة.

حكم الانشغال المفرط بالتصوير أثناء الحج والعمرة

المبالغة في التقاط الصور أثناء أداء مناسك الحج أو العمرة لا تليق بالزائر لبيت الله الحرام، بل تُعدّ من الأمور التي تصرف القلب عن الخشوع والتعبد. فالحاج أو المعتمر ينبغي أن يكون منشغلًا بتقربه إلى الله، ومهمومًا بقبول حجه، لا بوسائل التوثيق الدنيوية.

هذا التوجيه يزداد تأكيدًا في المسجد الحرام، لما له من خصوصية وهيبة، وقد وصفه الله تعالى في قوله:﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].

كما جاء في الآية الكريمة:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ…﴾ [النور: 36]، وهي دعوة إلى تطهير المساجد من كل ما يُشغل عن ذكر الله.

قال ابن كثير في تفسيره: أمر الله بتعظيم المساجد، وصيانتها من اللغو والأفعال غير اللائقة، فكيف إذا كانت هذه الأفعال تسبب الأذى للطائفين والساعين؟!

أقوال العلماء في تعظيم الحرم ومنع الأذى فيه

عن عيّاش بن أبي ربيعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ، مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ، هَلَكُوا» [رواه ابن ماجه].

وقد بيّن الإمام الطيبي أن المراد بالحرمة هنا: حرمة بيت الله الحرام، لما له من مكانة عظيمة عند العرب والمسلمين كافة.

وقال الإمام الزركشي في إعلام الساجد: إن من أهل العلم من ذهب إلى أن السيئات تضاعف كما تضاعف الحسنات في مكة، وذلك لتعظيم البلد الحرام، وذكر منهم ابن عباس، وابن مسعود، وأحمد بن حنبل.

واستشهد الإمام الطبري بقوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30]، معتبرًا أن من مظاهر التعظيم: تعظيم المشاعر، والمكان، والزمان

تم نسخ الرابط