جولة ترامب - إسرائيل
كيف كشفت رحلة ترامب التفوق الواضح لبعض الدول العربية على إسرائيل؟

في ظل انتشار تقارير تشير إلى احتمال منح دولة قطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طائرة فاخرة، بدأ مواطنون إسرائيليون تداول اقتراح ساخر في مجموعات الدردشة، مفاده منح ترامب موقفًا خاصًا في زحام المرور الشهير في تل أبيب.
ورغم الطابع المزاح لهذا الاقتراح، فإنه يعكس شعورًا متزايدًا لدى الإسرائيليين بأن دولتهم باتت تفتقر إلى الوسائل المادية التي تتيح لها منافسة سخاء بعض جيرانها العرب، خصوصًا في ضوء زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة.
رحلة ترامب تكشف عن انخفاض التأثير الإسرائيلي
بينما اعتاد الرؤساء الأمريكيون، من كلا الحزبين، تقديم دعم شبه غير مشروط لإسرائيل، يبدو أن ترامب – خاصة في ولايته الثانية – يتبنى نهجًا ماديًا قائمًا على المصالح المباشرة، يرى البعض أنه يفتقر إلى المبادئ. فترامب لا يسعى فقط إلى تعزيز مصالح الشعب الأمريكي، بل أيضًا إلى إبرام صفقات تعود بالنفع على نفسه وعائلته.
في هذا السياق، تبرز دول الخليج العربي -كالسعودية وقطر والإمارات- كلاعبين يتمتعون بقدرة هائلة على التأثير في ترامب عبر استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأمريكي، وصفقات مع شركات عائلته، وشراء كميات هائلة من الأسلحة. فعلى سبيل المثال، تعهدت السعودية وحدها خلال زيارة ترامب الأخيرة باستثمار نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، منها 142 مليارًا على شكل صفقات تسليح.
اقرأ أيضا: قيمتها «440 مليار دولار».. اسثمارات إماراتية أمريكية في الطاقة حتى 2035

في المقابل، تعتمد إسرائيل على مليارات الدولارات التي تحصل عليها كمساعدات عسكرية من دافعي الضرائب الأمريكيين. وهي تستعد قريبًا لإعادة التفاوض على مذكرة تفاهم جديدة حول هذه المساعدات، المقرر انتهاء أجلها في عام 2028.
ومع كونها ليست دولة نفطية، تُعاني إسرائيل من عجز في الموارد مقارنة بجيرانها الخليجيين. كما أنها غارقة في حرب مكلفة في قطاع غزة، أودت بحياة عشرات الآلاف، ويبدو أن ترامب حريص على وضع حد لها.
اقرأ أيضا: إسرئيل هيوم تكشف «ذخيرة نتنياهو» للحرب المحتملة ضد ترامب
العروض الخليجية والاقتصاد الإسرائيلي
عندما طُرح سؤال على مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين عمّا يمكن أن تقدمه إسرائيل لمجاراة السخاء العربي، كانت الإجابة واضحة: لا شيء يُضاهي العروض الخليجية. وصحيح أن إسرائيل تتمتع بعلاقات سياسية راسخة مع واشنطن، وتعاون استخباراتي وتكنولوجي وثيق، فضلًا عن أهمية دينية لدى قطاعات واسعة من الأمريكيين، لكن في عهد ترامب، تبدو هذه الأوراق غير كافية أمام لغة المال.
كما قالت المحللة السياسية الإسرائيلية شيرا إيفرون: "ترامب يدور حول ترامب، وأمريكا أولًا، أليس كذلك؟". وأشارت إلى أن الاقتصاد ليس كل شيء في العلاقات الثنائية، لكنها نوهت إلى أن الدول العربية تستثمر جيدًا في علاقتها مع ترامب عبر رموز الفخامة: فنادق، ملاعب غولف، وطائرات. والسؤال المطروح الآن: متى ستستخدم تلك الدول هذا النفوذ الاقتصادي للضغط على ترامب لاتخاذ مواقف تتعلق بملفات غزة وإيران واستقرار المنطقة؟
ثمة مؤشرات على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك هذا التحول في موازين النفوذ. فقد نُقلت عنه تصريحات تُفيد بأن إسرائيل يجب أن تقلّص اعتمادها على المساعدات الأمريكية، وهو توجّه قد يُرضي ترامب، ويخفف حدة الانتقادات داخل الحزب الجمهوري حول دعم إسرائيل غير المشروط.
وقد أكد السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دان شابيرو، أن الإدارة الحالية في واشنطن قد تسعى إلى مفاوضات أكثر "عملية" في المستقبل، تركز على ما ستقدمه إسرائيل مقابل ما ستناله من دعم أمريكي.
وفي إشارة أخرى إلى إدراك إسرائيل لتراجع نفوذها النسبي، ألمح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى ضرورة تحسين العلاقات مع القيادة الجديدة في سوريا، وهو تطور يتماشى مع رغبة العديد من العواصم العربية. وقد أعلن ترامب، خلال زيارته للسعودية، عن رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق، قائلًا: "يا إلهي، ما أفعله من أجل ولي العهد"، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان.
اقرأ أيضا: صفقات تاريخية تفتح آفاقًا جديدة للتعاون .. الرياض تستقطب التكنولوجيا الأمريكية
توتر العلاقات بين ترامب وإسرائيل
ويُلاحظ أن ترامب تجاهل زيارة إسرائيل في هذه الجولة، رغم كونها أول زيارة خارجية كبيرة له منذ عودته إلى البيت الأبيض. وتشير تقارير إلى أن أحد كبار مبعوثيه أبلغ عائلات الرهائن أن الحكومة الإسرائيلية غير راغبة في إنهاء الحرب على غزة، رغم رغبة ترامب في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
وفي حين ينفي البيت الأبيض وجود توتر في العلاقات مع تل أبيب، قائلًا: "لم يكن لإسرائيل صديق أفضل من ترامب"، تؤكد مصادر إسرائيلية أن الأجواء في المؤسسة السياسية تُشير إلى قلق حقيقي. فلو أن الرئيس جو بايدن تبنى مواقف ترامب الأخيرة، لكان رد الفعل الإسرائيلي غاضبًا ومتهجمًا. لكن العلاقة مع ترامب تختلف، ونتنياهو حريص على تفادي أي مواجهة علنية معه، كما حدث سابقًا مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
مصدر إسرائيلي مطلع أفاد بأن الانتقادات المُوجهة لترامب تُدار في الكواليس، وتُسرب بحذر عبر الإعلام، دون أن يتم التعبير عنها صراحة. ويضيف المصدر أن نتنياهو مقيد باعتبارات داخلية وطموحات شخصية للبقاء في السلطة، وهو ما يدفعه للاستجابة لمطالب اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى استمرار الحرب في غزة، وطرد سكانها، وضم الضفة الغربية.
اقرأ أيضا: 45 مليون دولار و25 دبابة .. تكاليف العرض العسكرى لعيد ميلاد ترامب

تحويل غزة إلى ريفييرا الشرق
في هذا السياق، تبدو بعض أفكار ترامب – كتحويل غزة إلى وجهة سياحية أمريكية بعد طرد سكانها – منسجمة مع رؤية اليمين المتطرف، رغم إدانة المجتمع الدولي لها واعتبارها جريمة ضد الإنسانية. ويقول أحد المحللين الأمريكيين، المرتبط بجميع أطراف النزاع، إن رؤية ترامب للعالم ترتكز على الاستقرار الاقتصادي لا الحقوق السياسية، وأنه لا يفهم سبب تمسك الفلسطينيين بالبقاء في غزة المُدمرة، بل يرى أنهم ينبغي أن يسعوا لحياة أفضل في مكان آخر.
ويضيف المصدر نفسه أن إسرائيل باتت تُثقل كاهل ترامب بمطالبها الكثيرة. ويُعرب عن اعتقاده بأن إنهاء الحرب في غزة قد يكون خطوة ذكية من نتنياهو لاستعادة ثقة ترامب وكسب تأييده – وهي خطوة قد تُفضي، ربما، إلى منح ترامب جائزة نوبل للسلام، كما يقول البعض مازحًا.
وفي الختام، يبدو أن جولة ترامب في الشرق الأوسط قد سلطت الضوء على حقيقة جديدة: القوة الاقتصادية أصبحت عاملاً حاسمًا في كسب ود الرئيس الأمريكي، وأن دول الخليج العربية باتت تتفوق على إسرائيل في هذا المجال، ما قد يُعيد رسم خريطة النفوذ والتأثير في العلاقات الإقليمية والدولية خلال الفترة المقبلة.