بعد 777 عامًا على سقوط الأندلس.. كيف ساهم ابن الأحمر في ضياع إشبيلية؟

تحل اليوم الذكرى الـ777 لسقوط مدينة إشبيلية، إحدى أبرز الحواضر الأندلسية، في قبضة ملك قشتالة فرناندو الثالث، وذلك في 21 نوفمبر 1248م، بعد حصار طويل أنهى حقبة من ازدهارها الإسلامي.
تاريخ الوجود الإسلامي في الأندلس
يعود الوجود الإسلامي في الأندلس إلى عام 711م، عندما قاد طارق بن زياد الفتح الإسلامي، ليستمر الحكم الإسلامي لما يقرب من ثمانية قرون تحت راية الأمويين، ثم المرابطين، فالمرابطين والموحدين، وأخيرًا بني نصر، لكن مع سقوط غرناطة عام 1492م، انتهى الحكم الإسلامي بالكامل، لتبدأ مرحلة الاسترداد الصليبي للأندلس.
كيف سقطت الأندلس
تحمل إشبيلية، المدينة العريقة الواقعة حاليًا في إسبانيا، إرثًا إسلاميًا بارزًا، واشتهرت بكونها إحدى أعظم الحواضر الأندلسية، حيث ظلت لقرون مركزًا سياسيًا وثقافيًا مزدهرًا، لكنها سقطت بعد حصار دام نحو ثلاثة أشهر، نتيجة تحالفات سياسية وخيانات داخلية ساهمت في إضعاف المقاومة الإسلامية.
كيف ساهم ابن الأحمر في سقوط الاندلس
يُعد ابن الأحمر أحد الشخصيات التي ساهمت في سقوط إشبيلية، حيث لعبت مواقفه وتحالفاته دورًا رئيسيًا في تمهيد الطريق لانهيار الحكم الإسلامي في الأندلس، ما سرّع من نهاية الهيمنة الإسلامية هناك.
وابن الأحمر، محمد بن يوسف بن نصر، المعروف بلقب "الغالب بالله"، هو مؤسس دولة بني نصر في الأندلس، وأول حكام مملكة غرناطة، التي كانت آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية.
وينتمي ابن الأحمر إلى قبيلة الخزرج الأزدية القحطانية، وحكم غرناطة بين عامي 1238 و1273، حيث لعب دورًا محوريًا في المشهد السياسي والعسكري آنذاك.
ابن الأحمر يتحالف مع مملكة قشتالة
وفقًا لما أورده المؤرخ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني في كتابه انبعاث الإسلام في الأندلس، وجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة تحدٍ عسكري خطير عندما حاصرت جيوش قشتالة غرناطة عام 1244.
وعندما أدرك صعوبة التصدي لتلك القوات، ومع غياب الدعم من القوى الإسلامية في المغرب وتونس، اضطر إلى التفاوض مع فرناندو الثالث، ملك قشتالة، مُعلنًا ولاءه له مقابل السماح له بحكم مملكته تحت سيادة قشتالة، مع التزامه بدفع جزية سنوية بلغت 150 قطعة ذهبية، بالإضافة إلى التحالف العسكري معه، سواء في مواجهة المسلمين أو غيرهم.

وفي إطار اتفاقية الصلح التي أبرمها مع ملك قشتالة فرناندو الثالث عام 1245م، تنازل ابن الأحمر عن عدد من المدن والمناطق الإستراتيجية، من بينها جيان وأرجونة وبلكنة وبيغ والحجار وقلعة جابر، إلى جانب مساحات واسعة من الأراضي الإسلامية في الأندلس.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لعب ابن الأحمر دورًا رئيسيًا في تمهيد الطريق أمام توسع قشتالة في المنطقة، حيث قدم دعمه للملك فرناندو في حملاته العسكرية، مما أدى إلى سقوط مدينة قرمونة وغيرها من المواقع الحصينة.
كما حاول إقناع المسلمين في المدن المحاصرة بالاستسلام لتجنب سفك الدماء، وهو ما ساهم في تسريع سقوط العديد من الحصون الإسلامية في الأندلس.
كيف بدأ حصار الأندلس
بدأ حصار ملك قشتالة فرناندو الثالث لمدينة إشبيلية عام 1247م، واستمر لأكثر من عام، حتى استسلمت المدينة وسقطت في 21 نوفمبر 1248م، وفي 5 رمضان 646هـ، دخل فرناندو المدينة في موكب ملكي مهيب، منهياً بذلك أكثر من خمسة قرون من الحكم الإسلامي فيها.
وبعد السيطرة على إشبيلية، وسقوطها عام 1248م، بمساعدة ابن الأحمر، سارع فرناندو إلى تحويل مسجدها الجامع إلى كنيسة، كما أمر بتحويل مئذنته إلى برج أجراس، والعمل على طمس المعالم الإسلامية في المدينة.

وتباعاً تساقطت مدن الأندلس في أيدي القشتاليين، حيث تمكنوا من السيطرة على شريش وشذونة وقادوس وشلوقة وغليانة، بالإضافة إلى الاستيلاء على العديد من الحصون، بما فيها مدينة قادس، مما سرّع من انهيار الحكم الإسلامي في المنطقة.
محاولات الصليبيين الإطاحة بابن الأحمر
ورغم محاولات الصليبيين الإطاحة بابن الأحمر والتخلص منه، إلا أنه تمكن من البقاء في مملكته والعمل على تنظيمها واستيعاب المهاجرين الفارين من المدن الساقطة.

وقبل وفاته، حرص على تأمين استمرارية حكمه بتعيين ابنه محمد ولياً للعهد.
وتشير كتب التاريخ إلي أن سياساته، التي جمعت بين الدهاء السياسي والتحالفات المثيرة، ساهمت بشكل مباشر في تقلص رقعة الدولة الإسلامية في الأندلس، حيث تقلصت مساحتها خلال أقل من قرن من نحو 250 ألف كيلومتر مربع إلى ما يزيد قليلاً عن 30 ألف كيلومتر مربع.
وشملت هذه المناطق المتبقية غرناطة ومالقة والمرية، إلى جانب أجزاء من قادس وقرطبة وجيان، فضلاً عن إشبيلية.