رمضان أم ذي الحجة.. ما هي أفضل أوقات أداء العمرة؟

تزايد إقبال المسلمين على أداء مناسك العمرة في مختلف مواسم العام، تصدرت تساؤلات الحجاج والمعتمرين صفحات دار الإفتاء والمنصات الدينية حول أفضل أوقات أداء العمرة، وما يُستحب فعله أثناء أدائها من أعمال تقربًا إلى الله.
وأجابت دار الإفتاء في ذلك بأن :
تجوز العمرة لغير الحاجِّ في جميع أيام السَّنَة، أمَّا الحاج فيمتنع عليه الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق، ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه، ولو أحرم بالعمرة في هذه الأيام لا تنعقد ولا تلزمه؛ فلا يعتمر حتى يفرغ من حجّه، وأما الأوقات المستحبة لها فأكثرها استحبابًا شهر رمضان، ثم أشهر الحج، ثم رجب وشعبان.
مشروعية العمرة وفضلها
العمرة من شعائر الإسلام التي تقرَّرت مشروعيتها وفضلها بالكتاب والسُّنَّة والإجماع؛ فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، ووجه الدلالة من الآية أنَّه إذا جاء الأمر بالتمام، فإنه يدلّ على المشروعية من باب أولى.
وقد أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ».
ويُبَيِّنُ فضلَها أيضًا ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" عن عمر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».
آراء الفقهاء في الأوقات التي يجوز فيها العمرة
وقد نقل الإمام ابن رشد المالكي اتفاق العلماء على مشروعية العمرة وجوازها في أيام السَّنَة كلها.
قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" : [وأما العمرة؛ فإن العلماء اتفقوا على جوازها في كلِّ أوقات السَّنَة] اهـ.
بينما ذهب الحنفية والإمام أحمد في رواية إلى كراهة العمرة في يوم عرفة ويوم النَّحر وأيام التشريق الثلاثة، مع صحتها لمَن أتى بها في هذه الأيام غير حاجٍّ.
قال الإمام السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط": [جميع السَّنَة وقت العمرة عندنا، ولكن يكره أداؤها في خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.. ولكن مع هذه الكراهة لو أدى العمرة في هذه الأيام صح] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "الشرح الكبير": [فأما العمرة فكلُّ الزمان ميقات لها، ولا يكره الإحرام بها في يوم النحر وعرفة وأيام التشريق في أشهر الروايتين، وعنه: يكره] اهـ.
والأصل في ذلك ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" : [والظاهر أنها قالت سماعًا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه بابٌ لا يدرك بالاجتهاد] اهـ.
كما أنهم استدلوا بأنَّ الله تعالى سمَّى هذه الأيام أيام الحج؛ فيقتضي أن تكون متعينة للحج الأكبر، فلا يجوز الاشتغال فيها بغيرها، والعمرة فيها تشغلهم عن ذلك، وربما يقع الخلل فيه فيكره. ينظر: "المبسوط" للسَّرَخْسِي (4/ 178)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 227).
حكم العمرة للمحرم بالحج
اتفق الفقهاء أيضًا على أنَّ العمرة وإن كانت جائزة في أيام السَّنَة كلها إلا أنَّها تمتنع على المحرم بالحج، فإنه يمتنع عليه الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق، ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه.
قال الإمام أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل" : [أما العمرة فلها ميقاتان: مكاني وزماني، فذكر المكاني.. ثم قال: وأما الزماني فجميع أيام السَّنَة وفي يوم النحر وأيام التشريق؛ إلا أن يحرم بالحج فيمتنع عليه الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق، ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع": [وقد يمتنع الإحرام بالعمرة في بعض السَّنَة لعارض لا بسبب الوقت، وذلك كالمحرم بالحج لا يجوز له الإحرام بالعمرة بعد الشروع في التحلل من الحج بلا خلاف] اهـ.
وقد زاد المالكية قيدًا، وهو ألَّا يعتمر قبل غروب شمس رابع أيام النحر حتى ولو انتهى من جميع أعمال الحج، قال الإمام العدوي في "حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني": [قوله: (فإنه لا يعتمر حتى تغرب الشمس من أيام منى) وهو رابع النحر، فلو أحرم بعد فراغه من جميع الرمي ومن طواف الإفاضة وقبل غروب الرابع، فقد ارتكب مكروهًا وينعقد، إلا أنه يمتنع من فعلها حتى يخرج وقت الحج] اهـ.
وقد نص الشافعية على جوازها عند الفراغ من مناسك الحج ولو قبل غروب شمس رابع أيام النحر، وإن كان الأفضل الانتظار حتى تنقضي هذه الأيام، قال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة": [وأما الحاج فلا يصح إحرامه بالعمرة ما دام محرمًا بالحج، وكذا لا يصح إحرامه بها بعد التحللين ما دام مقيمًا بمنى للرمي، فإذا نفر من منى النفر الثاني أو الأول جاز أن يعتمر فيما بقي من أيام التشريق، لكن الأفضل أن لا يعتمر حتى تنقضي أيام التشريق] اهـ.
العمرة في رمضان
كما ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّ من الأمور المندوبة والتي رغَّب الشرع فيها: العمرة في رمضان.
قال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" : [قوله: (وتكره يوم عرفة)، وجازت في غير ما ذكر، وندبت في رمضان] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" : [(قوله وجازت) أي: صحت (قوله: وندبت في رمضان) أي: إذا أفردها؛ كما مر عن "الفتح"، ثم الندب باعتبار الزمان؛ لأنها باعتبار ذاتها سنة مؤكدة أو واجبة كما مر، أي: أنها فيه أفضل منها في غيره، واستدل له في "الفتح" بما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً»، وفي طريق لمسلم: «تَقْضِى حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي»، قال: وكان السلف رحمنا الله تعالى بهم يسمونها الحج الأصغر، وقد اعتمر صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمرات كلهنَّ بعد الهجرة في ذي القعدة على ما هو الحق وتمامه فيه] اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" نقلًا عن القاضي سند: [وقد رغَّب الشرع في العمرة في رمضان لما يُرجى من تضاعف الحسنات] اهـ.
العمرة في رجب وشعبان، وباقي أيام شهر ذي الحجة بعد أيام التشريق
ورد عن الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم ما يدل على مزيد فضل العمرة في بعض الأوقات غير شهر رمضان؛ كرجب وشعبان، وباقي أيام شهر ذي الحجة بعد أيام التشريق.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" : [تنبيهٌ: نقل بعضهم عن المنلا علي في رسالته المسماة "الأدب في رجب": أن كون العمرة في رجب سنة بأن فعلها عليه الصلاة والسلام أو أمر بها لم يثبت، نعم روي أن ابن الزبير لما فرغ من تجديد بناء الكعبة قبيل سبعة وعشرين من رجب نحر إبلًا وذبح قرابين وأمر أهل مكة أن يعتمروا حينئذ شكرًا لله تعالى على ذلك، ولا شك أن فعل الصحابة حجةٌ وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، فهذا وجه تخصيص أهل مكة العمرة بشهر رجب اهـ ملخصًا] اهـ.
وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل: [وفي "مختصر الواضحة"، ونقله ابن فرحون: أفضل شهور العمرة رجب ورمضان انتهى.. وقد استمر عمل الناس اليوم على الإكثار منها في رجب وشعبان ورمضان وبعد أيام منى لآخر الحجة، والله أعلم] اهـ.
كما أن من الأوقات الفاضلة للعمرة: أشهر الحج؛ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة؛ وقد نص على ذلك الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 90، ط. مؤسسة الرسالة): [والمقصود أن عُمَرَهُ كلَّها كانت في أشهر الحج مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ويقولون: هي من أفجر الفجور، وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك.