ليلة النصف من شعبان.. من هو المشاحن وماذا يفعل من لا يستطيع المسامحة؟

ليلة النصف من شعبان لها فضل عظيم، وقد وردت فيها بعض الأحاديث التي تدل على أن الله يطلع إلى عباده فيغفر لهم، إلا للمشرك أو المشاحن، لذا، يستحب للمسلم أن يغتنم هذه الليلة بالطاعات والقربات، والسؤال هنا ما المقصود بالمشاحن الذي لا يغفر له؟.
المشاحن الذي لا يغفر له في النصف من شعبان
المقصود بالمشاحن في الحديث هو من يحمل العداوة في قلبه ويصر على القطيعة دون سبب شرعي، أو من يسعى للإضرار بالآخرين انتقامًا أو بغضًا، أما من تأذى من شخص آخر، ولا يزال يتألم نفسيًا أو لم يستطع نسيان الأذى، لكنه لا يسعى للانتقام أو الإضرار بالمسيء، فهذا لا يعد من المشاحنين.
وإذا كان الشخص متضررًا نفسيًا أو عاطفيًا بسبب الظلم الذي وقع عليه، لكنه لا يظلم الطرف الآخر ولا يسعى للانتقام، فهذا لا يخرجه من المغفرة، لأن الشحناء المحرمة هي التي تدفع الإنسان للظلم أو الانتقام الشخصي أو تمنعه من المسامحة رغم القدرة عليها.
أما إذا كان المظلوم يحمل الكراهية ويرفض الصلح رغم قدرة الطرف الآخر على الإصلاح والتراجع عن خطئه، فقد يدخل في معنى الشحناء إذا كان امتناعه عن المسامحة ناتجًا عن الحقد وليس بسبب الأذى الذي تعرض له.
رأي بعض الفقهاء في المسألة
• ابن تيمية: أشار إلى أن الشحناء المانعة من المغفرة هي التي تجعل الإنسان مصرًّا على الخصومة دون مبرر شرعي.
• ابن رجب الحنبلي: فرّق بين الشحناء الناتجة عن ظلم، وبين الشحناء التي تكون بسبب الأهواء والنفس، وذكر أن الشحناء المحرمة هي التي تؤدي إلى العدوان والقطيعة.
ماذا يفعل من لا يستطيع المسامحة بسبب الأذى؟
1. محاولة التسامح قدر الإمكان، فالمسامحة لا تعني نسيان الألم، ولكن تعني التحرر من المشاعر السلبية التي قد تؤذي القلب.
2. عدم الظلم أو الانتقام بغير حق، فالإنسان قد يكون متألمًا لكنه لا يظلم الطرف الآخر، وهذا يبعده عن وصف المشاحن.
3. الدعاء لله بأن يزيل الأثر النفسي، فقد يكون الألم شديدًا، لكن مع الوقت والمجاهدة يخف أثره.
4. إذا كان الأذى شديدًا مثل الظلم أو الخيانة العظيمة، فلا يُطلب من الإنسان أن يسامح قسرًا، لكن يُستحب له أن يسأل الله أن يعينه على الصفح إن استطاع.
وبناءً على ذلك من لم يستطع المسامحة بسبب الأذى لكنه لا يحمل الحقد ولا يسعى للانتقام الظالم، فإنه لا يدخل في معنى المشاحن المذموم، أما من يصر على العداوة والقطيعة من غير سبب شرعي، فهو داخل في الحديث، والأفضل للمسلم أن يسعى لإصلاح قلبه قدر الإمكان، حتى لو لم يستطع المسامحة الكاملة.
الأعمال المستحبة في ليلة النصف من شعبان
تتعدد الأعمال المستحبة في ليلة النصف من شعبان، منها:
الإكثار من الدعاء والاستغفار
• ليلة النصف من شعبان من الليالي التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، فيستحب الإلحاح في الدعاء بطلب المغفرة، وتيسير الأمور، ورفع البلاء.
• يفضل الدعاء بالأدعية المأثورة عن النبي ﷺ، مثل: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.”
“رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات.”
التوبة الصادقة
• لأن الله يغفر لعباده في هذه الليلة، فمن المهم أن يراجع المسلم نفسه، ويجدد توبته من الذنوب والمعاصي.
• التوبة تشمل الندم على الذنب، الإقلاع عنه، والعزم على عدم العودة إليه.
الصلح والتسامح
• جاء في الحديث أن الله يغفر للناس إلا لمشرك أو مشاحن، لذا من المستحب أن يحرص المسلم على إزالة الأحقاد والخصومات، والتصالح مع من خاصمهم، ليكون من أهل المغفرة.
الإكثار من الذكر
• ذكر الله من أعظم العبادات التي تُقرب العبد إلى الله، وخاصة في الليالي المباركة.
• من الأذكار المستحبة: التسبيح، التهليل، الاستغفار، الصلاة على النبي ﷺ، وقراءة القرآن.
قيام الليل
• لم يثبت عن النبي ﷺ تخصيص هذه الليلة بصلاة معينة، لكن قيام الليل مشروع في كل الأوقات، وهو من أفضل الأعمال.
• يمكن للمسلم أن يصلي ما شاء من الركعات، ولو ركعتين، ويدعو في سجوده، ويختمها بالوتر.
صيام نهار النصف من شعبان
• ورد أن النبي ﷺ كان يُكثر من الصيام في شعبان، لكنه لم يخصص يوم النصف وحده. فمن كان معتادًا على الصيام، فيُستحب له صيام هذا اليوم، لأنه من أيام شعبان الفاضلة.
أمور يجب التنبه لها في النصف من شعبان
• لم يثبت عن النبي ﷺ أو الصحابة تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة معينة، كصلاة مخصوصة أو أدعية مخصوصة، ولذلك يجب اجتناب البدع التي لم ترد في السنة.
• العبادة تكون بما ثبت عن النبي ﷺ، دون تكلف أو ابتداع في الدين.