أصحاب السبت | كيف تحايل بنو إسرائيل على أوامر الله؟.. عاقبهم بالمسخٍ

في مشهد قرآني مؤثر، تُعيد قصة “أصحاب السبت” تسليط الضوء على خطورة التحايل على شرع الله، وتُجسد واحدة من أبلغ صور العقاب الإلهي في التاريخ. وقعت هذه القصة في إحدى قرى بني إسرائيل المطلة على البحر، والتي اشتهر أهلها بصيد السمك كمصدر رزق رئيسي، لكنهم ابتُلوا بأمر إلهي صريح بأن يتركوا الصيد يوم السبت، ويتفرغوا فيه للعبادة، فجعلوه يوم عصيان بحيل خادعة.
من هم أصحاب السبت؟
أصحاب السبت هم قوم من بني إسرائيل عاشوا في قرية ساحلية—رجّحت بعض الروايات أنها “أيلة” على خليج العقبة—وقد اختارهم الله لاختبار الطاعة، فأمرهم ألا يصطادوا في يوم السبت، كنوع من التشريع المخصص لهم، لكنهم قابلوا الأمر بالاستخفاف والتحايل.
يقول الله تعالى:“واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر…” [الأعراف: 163].
ويذكر أن الأسماك كانت تظهر يوم السبت بكثرة بشكل معجز، بينما تغيب في باقي الأيام، فزاد البلاء فتنة، وامتحن صبرهم والتزامهم.
كيف كان التحايل؟
اتبع أهل القرية حيلاً ماكرة لصيد السمك دون إعلان عصيانهم الصريح، حيث كانوا:
• يحفرون حُفرًا وقنوات مائية على الشاطئ يوم الجمعة.
• تدخل الحيتان هذه الحفر يوم السبت، ويتركونها محاصَرة.
• ثم يعودون يوم الأحد ويأخذونها، مدّعين أنهم لم يصطادوا في السبت!
وقد علّق العلماء على هذا بقولهم: “التحايل على الشريعة يُعتبر مخالفة حقيقية، لا يُعفي صاحبه من الذنب”، وهو ما ينطبق تمامًا على فعل هؤلاء القوم.
موقف أهل القرية.. 3 فرق
انقسم الناس في القرية إلى ثلاث طوائف، كما أورد المفسرون:
1. الطائفة العاصية: هي التي مارست التحايل بالصيد.
2. الطائفة الناهية: الذين وعظوا المخالفين ونهروهم، كما في قوله تعالى:
“وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا…” [الأعراف: 164].
3. الطائفة الساكتة: لم يشاركوا ولم ينهوا، واكتفوا بالصمت.
العقوبة الإلهية
حين تمادى العصاة ورفضوا النصيحة، جاءهم وعد الله:
“فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين” [الأعراف: 166].
أي مسخهم الله إلى قردةٍ مهانين، بلا كرامة ولا عقل، وعاشوا بعد ذلك ثلاثة أيام فقط، ثم هلكوا.
المسخ لم يكن مجرد تغيير في الخِلقة، بل كان عقوبة معنوية وجسدية توضح كيف أن التهاون في أمر الله قد يؤدي إلى مصير مُهين.
الدروس والعِبر
• التحايل على الدين أخطر من المعصية الصريحة، لأنه يدل على استخفاف بالدين.
• السكوت على المنكر جريمة، وقد يُعاقب بها الصامتون كما يُعاقب الفاعلون.
• الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر واجب شرعي، وهو سبب نجاة من قام به.
• الابتلاء بالرزق وسيلة اختبار، وعلى الإنسان أن يثبت على الطاعة حتى لو خُيّل له أن المصلحة في المعصية.
تُحذرنا قصة أصحاب السبت من مغبّة مخالفة أوامر الله والاستهانة بحدوده، وتُرسّخ مبدأ أن النية وحدها لا تبرر الفعل إن خالف الشرع. فكما كان المصير في تلك القرية مسخًا مهينًا، فإن كل تحايل على الدين في أي زمان ومكان، لا يختلف كثيرًا في عواقبه من حيث البُعد عن رحمة الله والوقوع في الخسارة