تحذير إلهي من خيانة العهود .. نصوص شرعية تلزم الوفاء بالأمانات والعهود

في ظل ما يشهده العالم من اختلال في موازين القيم وتفشي التفريط في المسؤوليات، يُعد الوفاء بالعهود وحفظ الأمانات من المبادئ الثابتة التي أرساها الإسلام لضبط السلوك البشري وبناء مجتمع متماسك تسوده الثقة والعدل، وقد أكد الشرع الشريف بوضوح على هذه القيم، وجعل الإخلال بها من علامات ضعف الإيمان.
الوفاء بالعقود .. أمر رباني لا خيار فيه
بيَّنت دار الإفتاء المصرية في فتوى صادرة عن فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام –مفتي الجمهورية السابق – أن الشريعة الإسلامية أوجبت الوفاء بالعقود والعهود، مستشهدةً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]،
وهي آية جامعة تدخل في معناها كل ما يعقده الإنسان على نفسه من معاملات مالية أو عبادات تعاقد عليها مع ربه.
وأوضح الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية أن العقود تشمل: البيع، والشراء، والإجارة، والمناكحة، والنذر، والعتق، وسائر ما يرتبط بالعهد والالتزام، ما دام غير مخالف للشريعة.
"المسلمون على شروطهم"
ومن السنة النبوية، جاء قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا»، رواه أبو داود وابن حبان وغيرهم.
وفي هذا الحديث تأكيد على أهمية الالتزام بالاتفاقات طالما كانت موافقة للشرع، مما يعزز مبدأ الثقة المتبادلة ويمنع التلاعب بالعهود.
حفظ الأمانات.. واجب ديني وأخلاقي
أكدت دار الإفتاء المصرية في فتواها أن الأمانة ليست فقط في حفظ الودائع، بل هي مفهوم واسع يشمل كل ما يُطلب من الإنسان أداؤه من حقوق لله أو للناس.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]،
وقال أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8].
وأشارت الفتوى إلى أن الأمانات تتضمن المسؤوليات الوطنية والاجتماعية كحماية المال العام، واحترام القوانين، والخدمة العامة، فهي من حقوق الأمة وأمانات ملقاة على عاتق كل فرد.
الخيانة لا تقتصر على الأموال
ذكر الإمام الخطابي في "معالم السنن" أن الخيانة لا تقتصر على سرقة الأموال أو كتمان الودائع، بل تشمل خيانة الأوامر الإلهية، وتفريط الإنسان فيما ائتمنه الله عليه من أوامر ونواهٍ. واستدل بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: 27].
وأوضح الإمام القرطبي أيضًا أن الأمانة تشمل جميع وظائف الدين، وهي قول جمهور العلماء، مما يجعل الحفاظ عليها أصلًا من أصول الدين.
ما بين نصوص القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يظهر بجلاء أن الإسلام قد شدد على الوفاء بالعهد وصيانة الأمانة، واعتبر خيانتهما جرمًا دينيًّا وأخلاقيًّا. وهي دعوة متجددة لكل مسلم ومسلمة للتمسك بهذه القيم في كل مناحي الحياة؛ حمايةً للدين، وصونًا للمجتمع، وبراءةً للذمة أمام الله عز وجل.