جويرية بنت الحارث.. من بنت زعيم إلى أم للمؤمنين وبركة على قومها

كانت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية، سيدة قومها، بني المصطلق، ابنة زعيمهم، نشأت في بيت سيادة وقيادة، وعُرفت بعقلها، ورجاحة رأيها، وجمالها اللافت. وقد كانت من النساء الشريفات في الجاهلية، ثم اصطفاها الله لتكون من أمهات المؤمنين، وزوجة لخير خلق الله، محمد صلى الله عليه وسلم.
اللقاء الذي غيّر حياتها
في السنة السادسة للهجرة، وقعت غزوة بني المصطلق، ووقع فيها كثير من رجال ونساء القبيلة في الأسر. كانت جويرية من بين هؤلاء الأسرى، فكانت من نصيب أحد الصحابة، ثابت بن قيس رضي الله عنه، فوقعت في موقف صعب لا يليق بمكانتها، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب منه المساعدة في دفع مكاتبتها (أي ثمن حريتها)، فرأى فيها النبي كرامة وحسن خلق وعفافًا، فعرض عليها الإسلام والزواج، فأسلمت وقالت: "يا رسول الله، قد رضيتُ بالله ربًا، وبك رسولًا، وبالإسلام دينًا".
زواج مبارك.. فتح أبواب الرحمة لقومها
كان لزواج النبي بها أثر عظيم؛ إذ لما علم المسلمون أنه تزوجها، قالوا: "أصهار رسول الله أسرى؟! لا والله"، فأعتقوا كل من كانوا يملكونه من أسرى بني المصطلق إكرامًا لرسول الله، فكان ذلك سببًا في إسلام مائة من أهلها، وأصبحت جويرية تُعرف بأنها المرأة التي حرّرت مائة بيت من قومها.
صفات جويرية: الجمال والإيمان والذكر
وُصفت جويرية رضي الله عنها بأنها كانت من أجمل نساء العرب، وكانت شديدة العبادة، تكثر من التسبيح والذكر. وكان النبي يراها جالسة تذكر الله ساعات طويلة، فقال لها:
"لقد قلتُ بعدك كلمات لو وُزنت بما قلتِ لوزنتهن" ثم علّمها الذكر العظيم الذي سبق ذكره.
مواقفها في بيت النبوة
رغم أن حياتها في المدينة بعد الزواج لم تكن طويلة كما بعض زوجات النبي، إلا أن جويرية كانت هادئة، موقّرة، حكيمة. وكانت سببًا في تأليف قلوب قومها على الإسلام، واشتُهرت بين الناس بالبركة.
وفاتها
توفيت جويرية رضي الله عنها في المدينة سنة 50 هـ تقريبًا، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم، وكان والي المدينة آنذاك. وكان عمرها وقت الوفاة يقارب السبعين.
إن جويرية بنت الحارث ليست مجرد اسم في قائمة زوجات النبي، بل هي قصة بركة وعطاء وصبر وكرامة. آمنت في وقت الشدة، وغيّر الله بها حال قوم بأكمله، وجعل من زواجها مفتاحًا للهداية والحرية..فحق لها أن تُخلّد في سجل العظماء من نساء الإسلام.