عاجل

ما معنى الصبر فى القرآن الكريم؟.. ثلاثة أنواع تُهذّب النفس وتقوّي الإيمان

الصبرعلى البلاء
الصبرعلى البلاء

في ضوء الاهتمام المتزايد بفهم القيم التربوية في القرآن الكريم، يبرز “الصبر” كواحد من أهم المفاهيم التي دعا إليها الإسلام، ليس فقط كوسيلة للتحمّل، بل كقوة نفسية وروحية تدفع المؤمن نحو الثبات والنجاح في مختلف مراحل الحياة. وقد ورد ذكر الصبر في أكثر من تسعين موضعًا في القرآن، مما يدل على عمق هذه القيمة ومكانتها في العقيدة الإسلامية.

علماء التفسير والفقهاء أجمعوا على أن الصبر في القرآن الكريم يتفرع إلى ثلاثة أنواع أساسية، يشمل كل منها جانبًا مهمًا من جوانب السلوك الإيماني:

1. الصبر على الطاعة:

هذا النوع من الصبر يعني الاستمرار والثبات على أداء العبادات والتكاليف الشرعية، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والجهاد، رغم ما قد يلاقيه الإنسان من تعب أو ضغوط. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله:
“رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ” [مريم: 65]، أي اصبر على ما تقتضيه العبادة من مجاهدة النفس.

2. الصبر عن المعصية:

ويعني مقاومة الشهوات والابتعاد عن المحرمات، رغم قوة الإغراء أو وجود الفرصة. ومثال ذلك في القرآن ما ورد عن يوسف عليه السلام، حين قال:
“قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ” [يوسف: 23]، حيث فضّل السجن على الوقوع في معصية الله، فكان هذا نموذجًا حيًّا للصبر عن المعصية.

3. الصبر على البلاء:

وهو أكثر الأنواع شيوعًا، ويقصد به الصبر عند وقوع المصائب والشدائد كالمرض، والفقد، والفقر، والظلم. ويُعد هذا النوع من أرقى درجات الإيمان، كما في قوله تعالى:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” [البقرة: 155–156].

الصبر في ميزان القرآن:

لم تكن دعوة القرآن إلى الصبر مجرد توصية أخلاقية، بل جعل الله الصابرين من أحب عباده، ومنحهم مكانة خاصة، كما في قوله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 153]، و*“إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”* [الزمر: 10].

كما ربط الله بين الصبر والنصر، فقال:
“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ”، وذكر في مواضع أخرى أن النصر لا يأتي إلا بالصبر والثبات.

 

الصبر في القرآن ليس موقفًا سلبيًّا، بل هو سلوك إيجابي واعٍ، يعكس عمق الإيمان وقوة الإرادة. وهو وسيلة للارتقاء بالنفس، وسبيل للوصول إلى رضا الله، ومفتاح للفلاح في الدنيا والآخرة. ومن هنا، فإن دعوة القرآن للصبر ليست دعوة للتحمّل فقط، بل دعوة لبناء شخصية قوية ومتزنة ومتصلة بالله في كل حال.

تم نسخ الرابط