طرق تحضير القهوة تؤثر على صحة قلبك.. دراسة تكشف مخاطر خفية

في الوقت الذي يُنظر فيه إلى القهوة باعتبارها مشروبًا صباحيًا لا غنى عنه لملايين البشر حول العالم، وتُثنى عليها الدراسات بسبب فوائدها في تعزيز التركيز وتحسين المزاج وحتى تقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض، إلا أن دراسة علمية حديثة تدق ناقوس الخطر بشأن جانب آخر قلّما يُسلط عليه الضوء: طريقة تحضير القهوة وتأثيرها المباشر على صحة القلب.
تحضير القهوة قد يغيّر كل شيء
بحسب دراسة نُشرت في مجلة Nutrition, Metabolism & Cardiovascular Diseases، وأجراها باحثون من جامعة أوبسالا السويدية، فإن القهوة - رغم احتوائها على مركبات نشطة بيولوجيًا مفيدة - قد تُصبح ضارة إذا ما تم تحضيرها بطريقة لا تراعي التخلص من مركبات طبيعية تُعرف باسم "الديتربين" (Diterpenes)، والتي تشمل مادتي الكافستول والكاهويول، وهما من المواد التي ثبت علميًا قدرتها على رفع مستويات الكوليسترول الضار في الدم (LDL).
وقد أظهرت الدراسة أن هذه المركبات توجد بتركيزات عالية في أنواع القهوة غير المفلترة، كالقهوة التركية والإسبريسو، بينما تقل بشكل كبير في القهوة المفلترة باستخدام ورق الترشيح، كما هو الحال في آلات التنقيط المنزلية.
اختبار 14 آلة قهوة في أماكن عامة
اعتمد الباحثون في دراستهم على تحليل عينات قهوة من 14 آلة مستخدمة في الأماكن العامة، بما في ذلك المقاهي والمؤسسات والمكاتب، بالإضافة إلى مقارنة النتائج بأنواع أخرى من القهوة تُحضّر منزليًا بوسائل متعددة. وتم قياس تركيز مركبي الكافستول والكاهويول في كل عينة بدقة بالغة.
وكانت النتائج مفاجئة؛ إذ أظهرت القهوة التي تُحضّر في آلات التخمير الأوتوماتيكية مستويات أعلى من الديتربين مقارنة بالقهوة المفلترة بورق، لكن أقل من تلك الموجودة في القهوة المغلية. أما الإسبريسو، فقد سُجلت فيه أعلى المستويات، حيث بلغت كمية الكافستول في إحدى العينات أكثر من 2400 ملغم/لتر، وهو ما يشير إلى تركيزات مرتفعة بشكل خطير.
القهوة التركية والإسبريسو
تعتبر القهوة التركية، التي تُحضّر عبر الغليان دون ترشيح، من أكثر أنواع القهوة احتواءً على الكافستول والكاهويول. ويُضاف إليها الإسبريسو، الذي يُحضّر عبر ضغط الماء الساخن بسرعة عالية من خلال البن المطحون دون استخدام مرشحات ورقية. وبالتالي، تبقى مركبات الديتربين في الكوب وتدخل الجسم مباشرة.
وقد أظهرت دراسات سابقة منذ التسعينيات أن هذه المركبات ترتبط بارتفاع الكوليسترول الضار، ما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
الدليل من الدراسات طويلة الأمد
لم تكن هذه النتائج مفاجئة تمامًا، فقد دعمتها دراسة نرويجية استمرت 20 عامًا وأجريت على آلاف الأشخاص، وخلصت إلى أن تناول القهوة غير المفلترة يرتبط بزيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب. وهو ما دفع دول الشمال الأوروبي، ومن بينها السويد والنرويج، إلى إصدار توصيات غذائية عام 2023 تنصح بتناول القهوة المفلترة وتجنب الأنواع غير المفلترة أو المغلية.
الفلاتر الورقية ليست مجرد أداة تنقية للنكهة
أحد الاكتشافات اللافتة في الدراسة السويدية أن استخدام فلاتر القهوة الورقية لا يُحسّن فقط مذاق القهوة، بل يلعب دورًا صحيًا مهمًا في حجب مركبات الديتربين وتقليل خطرها. فترشيح القهوة المغلية باستخدام مرشحات مخصصة (مثل "جوارب القهوة" المصنوعة من طبقات البوليستر والأكريليك) خفّض تركيز الكافستول من أكثر من 900 ملغم/لتر إلى 28 ملغم/لتر فقط.
القهوة مفيدة... إذا أُعدت بالطريقة الصحيحة
على الرغم من كل ما سبق، لا تحمل الدراسة رسالة سلبية تجاه القهوة بحد ذاتها، بل تؤكد على أن الطريقة التي نُحضّر بها القهوة هي التي تُحدد ما إذا كانت صديقة لصحة القلب أم لا. فمعظم الفوائد الصحية للقهوة، مثل تحسين التمثيل الغذائي، وتعزيز الأداء العقلي، وتقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، يمكن الاستفادة منها دون تعريض القلب للخطر، بشرط اختيار الطريقة المناسبة للتحضير.
توصيات الخبراء:
- يُفضّل استخدام آلات التنقيط الورقية في تحضير القهوة.
- يجب تقليل استهلاك القهوة التركية أو الإسبريسو لمن لديهم تاريخ عائلي مع أمراض القلب.
- يُنصح بعدم الاعتماد على القهوة غير المفلترة كمشروب يومي دائم.
- عند شراء قهوتك من المقاهي، اسأل عن طريقة التحضير.
قد يبدو الفرق بسيطًا، لكن بين كوب قهوة يُحضّر بطريقة تقليدية وآخر باستخدام ورق الترشيح، يكمن فرق كبير في تأثيره على قلبك. فاجعل اختيارك واعيًا، وامنح قهوتك فرصة لأن تكون حليفًا لصحتك، لا عبئًا خفيًا.