لا تشرب قهوتك فور الاستيقاظ… تحذير طبي من عادة يومية

القهوة… هذا المشروب السحري الذي لا يُفارق صباحات الملايين حول العالم، فنجان القهوة الصغير كفيل بأن يغيّر المزاج ويشعل الحواس ويمنح بداية نشيطة ليوم جديد. لكن رغم هذا الارتباط العاطفي والعقلي بالقهوة الصباحية، يحذّر الأطباء من عادة متكرّرة قد نمارسها دون وعي، وتترك آثارًا صامتة على صحتنا، خاصة على المعدة والجهاز الهضمي.
القهوة على معدة فارغة.. عادة محفوفة بالمخاطر
تحذّر الدكتورة البريطانية ماسارات جيلاني، المتخصصة في طب الأسرة بهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) بلندن، من شرب القهوة فور الاستيقاظ، وخصوصًا دون تناول أي طعام. وتشير إلى أن الكافيين الموجود في القهوة يحفّز إفراز هرمون "الجاسترين"، الذي بدوره يرفع مستويات الحموضة في المعدة. الأمر الذي يؤدي إلى تهيّج جدار المعدة، وظهور أعراض مزعجة مثل الحموضة، الانتفاخ، الغثيان، ورائحة الفم الكريهة.
تضيف جيلاني أن هذه الأعراض تتفاقم مع التقدم في العمر، حيث تصبح المعدة أكثر حساسية وتقل قدرتها على التحمّل، ما يجعل من عادة شرب القهوة على الريق عاملًا محفزًا لمشاكل صحية مزمنة قد لا ينتبه إليها الكثيرون.
ارتجاع صامت ومضاعفات خطيرة
المثير للقلق أن بعض الحالات لا تظهر عليها أعراض الارتجاع المعدي المريئي التقليدية، وهو ما يعرف بـ"الارتجاع الصامت". في هذه الحالات، يفقد المريء تدريجيًا الإحساس بالتهيج الناتج عن الحموضة المزمنة، مما يؤدي إلى تجاهل الحالة وعدم علاجها. ومع الوقت، قد تتفاقم الأمور لتصل إلى مضاعفات صحية خطيرة، مثل تلف أنسجة المريء أو حتى الإصابة بسرطان المريء.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 25% من سكان المملكة المتحدة يعانون من أعراض ارتجاع المعدة، وتتراوح الأعراض بين السعال المزمن، ألم الحلق المتكرر، بحة الصوت، والتنظيف المستمر للحلق، ما يؤثر سلبًا على جودة الحياة اليومية.
نصائح الأطباء لتفادي الأضرار
لتفادي هذه المشكلات الصحية، تنصح الطبيبة بتأجيل شرب القهوة لما لا يقل عن ساعة بعد الاستيقاظ، لإعطاء الجسم وقتًا كافيًا لاستعادة توازنه الهرموني وتهيئة الجهاز الهضمي. كما توصي بتناول وجبة خفيفة – كقطعة خبز أو فاكهة – مع القهوة، حتى لا تكون المعدة فارغة بالكامل عند دخول الكافيين.
وتؤكد جيلاني أن هذا التعديل البسيط في الروتين الصباحي قد يحدث فارقًا كبيرًا في تحسين الهضم وتقليل الشعور بالتعب والانخفاض الحاد في الطاقة لاحقًا خلال اليوم.
فوائد القهوة… لكن بشروط
ورغم التحذيرات، لا تزال القهوة تحتفظ بمكانتها كمشروب غني بالفوائد. فقد أثبتت دراسات عديدة أن القهوة تحتوي على نسب عالية من مضادات الأكسدة، وتساعد في تعزيز التركيز، تحسين المزاج، وتقليل خطر الإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني، ألزهايمر، وباركنسون.
لكن الفارق الجوهري – كما تشير الدراسات – لا يكمن في القهوة ذاتها، بل في طريقة وتوقيت استهلاكها. فالفنجان الذي قد يمنحك دفعة من النشاط الذهني في بداية اليوم، قد يكون سببًا في معاناة هضمية مزمنة إذا لم يُرافقه طعام أو إذا تم تناوله قبل أن تستعد المعدة لاستقباله.
التريندات والمفاهيم المغلوطة على السوشيال ميديا
في ظل انتشار نصائح الصحة والرشاقة على منصات مثل "تيك توك" و"إنستغرام"، تُروج مفاهيم خاطئة، من بينها شرب القهوة مع الليمون على الريق لخسارة الوزن أو الاعتماد على القهوة كبديل للوجبات. ويؤكد الأطباء أن هذه العادات لا تستند إلى أساس علمي قوي، بل قد تزيد من إرهاق المعدة والإضرار بالجهاز الهضمي على المدى الطويل.
شرب القهوة ليس خطأ، بل العكس، قد يكون مفيدًا إذا تم ضمن ضوابط صحية بسيطة. ما يدعو إليه الأطباء ليس الابتعاد عن القهوة، بل التعامل معها بعقلانية: تأخيرها قليلًا بعد الاستيقاظ، وتناول وجبة خفيفة معها، والابتعاد عن المفاهيم المغلوطة المنتشرة على وسائل التواصل.
فالقهوة، كما يقول المتخصصون، سلاح ذو حدّين… والقرار في يدك