قُبلة على صدر المحبة.. عندما تحدّث الصليب بلغة لا تعرفها السياسة

فى لحظة خاطفة، التقطتها عدسات الكاميرا لكن حُفرت فى الذاكرة والوجدان، انحنى قداسة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، ليُقبّل الصليب المعلق على صدر قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، هى قبلة واحدة، لكنها قالت كل شىء.
ولم يكن المشهد بروتوكوليًا ولا محكومًا باتفاقيات حوار الأديان، ولم يكن ترتيبًا دبلوماسيًا ولا لحظة مجاملة عابرة، وكان إنحناءة القلب قبل الجسد، وقبلةً تخطت خشونة التاريخ وعوائق السياسة، لتضع الصليب في موضعه الطبيعي: رمزًا للمحبة، وجسرًا للإنسان إلى الإنسان.
وتبدو الصورة كأنها أيقونة جديدة تُرسم فى زمننا المعاصر، لا بريشة فنان، بل بعفوية إنسان أدرك أن التقوى الحقة لا تعرف طائفة، وأن اليد الممتدة للسلام أبلغ من كل خطاب.
وفى عيون البابا فرنسيس، قرأ الناس اتضاعًا يشبه ذاك الذى حمل الصليب أول مرة، وفى ملامح البابا تواضروس، ارتسمت دهشة الأب الذى شعر أن الصليب على صدره صار قِبلةً حقيقيةً للوحدة.
والمكان كان الفاتيكان، لكن الحدث تخطى الجغرافيا، وتردد صداه فى قلوب كثيرة أرهقها الخلاف وظمأت للرجاء، فهى صورة واحدة، لكنها قد تكون بداية رواية جديدة لا تُكتب بالحبر، بل تُروى بالحب.
وليست القبلة على الصليب مجرد فعل احترام، بل هي فعل صلاة صامتة، عبّر فيها البابا فرنسيس عن إيمان مشترك يتجاوز الحدود والمسميات، فالصليب هنا لم يكن فقط قطعة معدنية معلقة على الصدر، بل صار رمزًا حيًا للآلام المشتركة، وللرجاء الذي يجمع الأرواح تحت ظلال المحبة الإلهية.
وقبلة الصليب، في هذا السياق، ليست فقط إقرارًا بالوحدة، بل اعتراف بأن ما يربط القلوب أعظم من كل ما فرّقها عبر الزمن، وكأن البابا فرنسيس أراد أن يقول للعالم: "هنا، في هذا الصليب، نلتقي نحن جميعًا — ليس كقادة طوائف، بل كخُدّام للمسيح، وشهود للرجاء في عالم متعطش للسلام."
وأعلن الكرسي الرسولي صباح الاثنين عن وفاة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عن عمر ناهز 88 عامًا.
وجاء في بيان رسمي تلاه الكاردينال كيفن فيريل، الحاجب البابوي، أن "أسقف روما، فرنسيس، عاد إلى بيت الآب عند الساعة 7:35 صباحًا". وأضاف أن حياة البابا كانت مكرّسة بكاملها لخدمة الكنيسة ونشر قيم الإنجيل، وخاصة في نصرة الفقراء والمهمّشين.
معاناة صحية متواصلة
عانى البابا فرنسيس، الذي خضع في شبابه لعملية استئصال جزئي للرئة، من أمراض تنفسية مزمنة. وفي 14 فبراير الماضي، أُدخل مستشفى "جيملّي" في روما بعد أزمة حادة في التنفس، تطوّرت إلى التهاب رئوي مزدوج، ما استدعى بقاءه في المستشفى لـ38 يومًا، وهي أطول فترة علاجية خلال حبريته التي امتدت 12 عامًا.
آخر ظهور علني
رغم حالته الصحية، حرص البابا على الظهور في ساحة القديس بطرس خلال قداس عيد الفصح في نهاية مارس، حيث بارك الحشود من "العربة البابوية"، لكنه فوّض مهمة إقامة القداس للكاردينال أنجلو كوماستري، رئيس كاتدرائية القديس بطرس السابق.
وأعرب قداسة البابا فرنسيس عن بالغ قلقه تجاه التدهور الحاد في الوضع الإنساني بقطاع غزة، داعيًا إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية وتقديم الدعم للمدنيين المتضررين.
جاءت تصريحات البابا خلال ظهوره التقليدي من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان، حيث تلا أحد مساعديه كلمته أمام آلاف المصلين في ساحة الكاتدرائية، وفق ما أفاد به موقع "أخبار الفاتيكان".