عاجل

إبراهيم عليه السلام.. أبو الأنبياء الذي اختبره الله بالوحي والنار

قصة سيدنا ابراهيم
قصة سيدنا ابراهيم

يُعد إبراهيم عليه السلام أحد أعظم أنبياء الله، ورمزًا خالدًا للتوحيد والصبر والابتلاء في جميع الكتب السماوية. واحتلت سيرته مكانة رفيعة في القرآن الكريم، حيث ورد ذكره في أكثر من 60 موضعًا، وامتدت قصته لتشمل مراحل طفولته وشبابه، وهجرته، ودعوته، وابتلائه بذبح ابنه، وبنائه للكعبة المشرفة

رحلة الوعي الأولى: فتى صغير يرفض الأصنام

نشأ إبراهيم في مجتمع يعبد الأصنام، وأبوه – آزر – كان صانعًا لها. لكن الطفل الذي أنعم الله عليه بالحكمة منذ صغره، لم يقبل أن تُعبد الحجارة، وتساءل بعقله وفطرته: كيف تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر؟، يقول تعالى:“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” [الأنعام: 74].

رفض إبراهيم عبادة الكواكب والنجوم والشمس والقمر، مؤكدًا أن الإله الحق لا يغيب ولا يأفل، بل هو الحيّ الذي لا يموت.

النار التي لم تحرق

حين قرر إبراهيم أن يُري قومه ضعف معبوداتهم، دخل المعبد فحطم الأصنام، وترك الفأس على الصنم الأكبر. وعندما حُقّق معه، قال بحكمة تهز القلوب:“بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ”[الأنبياء: 63].

غضب الملك النمرود، وأمر بإحراقه حيًا في نار عظيمة، لكن الله قال للنار:
“يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ”
[الأنبياء: 69].
فخرج إبراهيم سالمًا، وكان هذا أول نصر علني للإيمان على الظلم والجهل.

الهجرة إلى الله… ونقطة تحول كونية

هاجر إبراهيم من أرضه، تاركًا وراءه وطنًا لا يؤمن بالله، وذهب إلى الشام ومصر، ثم إلى مكة. وفي تلك الأرض القاحلة، بدأت أهم فصول قصته مع ابنه إسماعيل، ذلك الابن الذي جاء بعد طول انتظار، كاستجابة لدعوة صادقة من إبراهيم:“رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ” [الصافات: 100–101].

الابتلاء العظيم: أمر الذبح… وتسليم الروح قبل الجسد

بلغ إسماعيل سنّ البلوغ، وأصبح صديقًا لوالده، يعينه ويؤنسه، لكن الله أراد أن يختبر قمة الإيمان. رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه، ورؤيا الأنبياء وحي. فجاء لابنه يخبره:
“يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ”
[الصافات: 102].

وكان رد إسماعيل مشهديًا لا يُنسى في تاريخ الخضوع لله:
“يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”
[الصافات: 102].

عندما أسلما واستسلم إبراهيم للذبح، ناداه الله:
“قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا… وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ” [الصافات: 105–107].
وهكذا تحوّل المشهد من فاجعة إلى عيد، ومن اختبار إلى تشريف، وتحوّلت التضحية إلى سنة خالدة في شعيرة الأضحى.

بناء الكعبة… أول بيت وضع للناس

في مكة، أمر الله إبراهيم وابنه إسماعيل أن يرفعا قواعد البيت الحرام. وهناك وقفا يضعان الحجر فوق الحجر، ويقولان:
“رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”
[البقرة: 127].ثم دعا إبراهيم دعوته الخالدة: “وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ”
[البقرة: 129].
فاستجاب الله، وأرسل من نسله محمدًا صلى الله عليه وسلم.

الخلّة والاصطفاء

اصطفى الله إبراهيم بالخلة – وهي أعلى درجات المحبة – فقال:“وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا”[النساء: 125]. ويُعد إبراهيم “أبا الأنبياء”، إذ إن كل الأنبياء الذين جاؤوا بعده – بمن فيهم عيسى وموسى ومحمد – من نسله، ليظل أثره ممتدًا في كل رسالة سماوية.

إبراهيم… مدرسة الإيمان للعالمين

قصة إبراهيم ليست مجرد حكاية عن نبي، بل هي منهاج متكامل في الثبات على التوحيد، وتقديم الطاعة على العاطفة، والتضحية في سبيل الله. في كل محطة من محطات حياته نجد نموذجًا خالدًا للإنسان الذي اختار أن “يُسلِم وجهه لله”، فجعله الله أمةً وحده

تم نسخ الرابط