عيادة المريض وثوابها في الإسلام.. قيمة إنسانية وأجر ديني عظيم

يُعتبر الإسلام عيادة المريض من أسمى الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم تجاه إخوانه في الإنسانية والإيمان. فالزيارة لا تقتصر فقط على كونها عبادة تحقق أجرًا عظيمًا، بل تعدّ أيضًا من أهم وسائل تعزيز الروابط الإنسانية والاجتماعية. فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث شريفة على أهمية هذه الزيارة، وجعل لها مكانة كبيرة في الإسلام.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من عاد مريضًا، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع” (رواه مسلم). وهذا الحديث يبرز أجر زيارة المريض كعمل من أعمال البر التي تقرب المسلم إلى الله سبحانه وتعالى وتُكسبه حسنات كثيرة. فزيارة المريض لا تعني فقط العون العاطفي، بل تحمل أيضًا مضامين روحانية عظيمة.
الأدلة الشرعية على فضل عيادة المريض
1. الحديث الشريف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عِيدُوا المَرْضى، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَأَمِّــرُوا الفُقَرَاءَ” (رواه الترمذي)، ويُظهر الحديث الدعوة لعيادة المرضى باعتبارها فريضة أخلاقية ودينية تعزز العلاقات الاجتماعية.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: “من عاد مريضًا، فقد دخل في رحمة الله” (رواه مسلم). هذا الحديث يبين بوضوح كيف أن زيارة المريض تمثل وسيلة للارتباط بالرحمة الإلهية، مما يعكس قيمة الرحمة والتكافل الاجتماعي في الإسلام.
3. الآيات القرآنية: في القرآن الكريم، نجد دعوة للإحسان إلى الآخرين في آيات متعددة، ومنها قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” [البقرة: 83]، وهي دعوة عامة للإحسان، ومن أبرز مظاهره عيادة المريض. كما أن الله تعالى قد بيّن في القرآن الكريم كيف أن الاهتمام بالآخرين والمساهمة في راحتهم أمر محبوب: “وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” [البقرة: 215].
آراء الفقهاء في عيادة المريض
إجماع علماء الأمة على أهمية عيادة المريض يجعلها من أهم الأفعال المستحبة في الإسلام. لكن رأي الفقهاء يختلف في بعض التفاصيل المتعلقة بها، مثل كيفية القيام بها ومدة الزيارة.
1. رأي الحنفية: يرى علماء الحنفية أن زيارة المريض من الأعمال المستحبة التي تحمل أجرًا عظيمًا. ويؤكدون على ضرورة أن تكون الزيارة مصحوبة بالتحقق من حاجة المريض لتقديم المساعدة المادية أو المعنوية إن لزم الأمر.
2. رأي المالكية: عند المالكية، يعتبرون زيارة المريض من أفضل الأعمال التي تقوي الروابط بين المسلمين، وهم يرون أن عيادة المريض من السنن المؤكدة. وقد ورد في كتبهم أن هذه الزيارة تحث المسلم على الأخوة والمودة، وهي عبادة تُكسب الزائر أجرًا عظيمًا.
3. رأي الشافعية: وفقًا لمدرسة الشافعية، فإن عيادة المريض ليست مجرد فعل مستحب، بل هي من حقوق المسلم على أخيه. ويدعون إلى ضرورة الاهتمام بالمريض وتقديم الدعم المعنوي له، ويشددون على أن زيارة المريض تُعتبر سببًا في التخفيف من آلامه النفسية والجسدية.
4. رأي الحنابلة: أئمة الحنابلة يرون أن زيارة المريض من الأمور التي تندب المسلم للقيام بها. ويقولون إن زيارة المريض يجب أن تكون في الوقت الذي لا تزعج فيه المريض، فيجب تجنب الزيارة إذا كان المريض في حالة حرجة أو مرهق.
الشروط والآداب المتعلقة بعيادة المريض
يجب على المسلم مراعاة بعض الآداب أثناء زيارة المريض حتى تكتمل هذه العبادة على الوجه الأكمل:
1. الحرص على الدعاء للمريض: من المستحب أن يدعو الزائر للمريض بالشفاء، فقد ورد في الحديث: “اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاءً لا يغادر سقمًا” (رواه البخاري).
2. عدم الإطالة على المريض: يجب أن تكون الزيارة محدودة لكي لا يشعر المريض بالإرهاق، فقد نص الفقهاء على أن الزيارة تكون قصيرة بقدر الإمكان.
3. التحدث بكلمات طيبة: ينبغي على الزائر أن يتحلى بالكلمات المشجعة واللطيفة التي ترفع من معنويات المريض. من خلال هذه الكلمات، يمكن للمريض أن يشعر بدعمه النفسي والعاطفي، مما يساهم في تحسن حالته.
4. الاهتمام بحالة المريض: من آداب العيادة أن يسعى الزائر إلى معرفة حاجة المريض للمساعدة سواء كانت مادية أو معنوية. قد يكون المريض بحاجة إلى بعض الأدوية أو المساعدة في التواصل مع الأطباء، وهو ما يمكن أن يقدمه الزائر في إطار التضامن الاجتماعي