حكم دفع الدية في القتل العمد في الإسلام.. بين القصاص والعفو

القتل العمد من أعظم الجرائم في الإسلام، ويعد من الكبائر التي حرمها الله سبحانه وتعالى. ورغم عظم هذه الجريمة، فقد جاء في الشريعة الإسلامية حكم واضح يتعلق بكيفية التعامل مع مرتكبها، حيث يقضي الأصل في القتل العمد بالقصاص إذا لم يعفُ أولياء الدم. ولكن هل يجوز دفع الدية كبديل للقصاص؟ وما هي آراء الفقهاء في هذه المسألة؟ في هذا المقال نناقش حكم دفع الدية في حالات القتل العمد وفقًا للآراء المختلفة للفقهاء، مع بيان الحكم الشرعي في هذا الموضوع الشائك.
1. حكم القتل العمد في الشريعة الإسلامية
القتل العمد من أكبر الكبائر في الإسلام، ووردت فيه نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تحذر من مغبة ارتكابه. الله سبحانه وتعالى قد أمر بالقصاص في حال القتل العمد، حيث قال: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” (النساء: 93). أما حكم القصاص، فقد أقرته الشريعة في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى” (البقرة: 178)، مما يوضح أن القصاص هو الأصل.
2. آراء الفقهاء في دفع الدية بدلاً من القصاص
تختلف آراء الفقهاء في مسألة دفع الدية في القتل العمد. بينما يُجمع أغلب الفقهاء على أن القصاص هو الأصل في القتل العمد، إلا أنهم يختلفون في حكم استبدال الدية بالقصاص.
رأي الجمهور (المالكية، الشافعية، والحنابلة):
يرى جمهور الفقهاء أن الدية لا تجب بدلاً عن القصاص إلا إذا عفا أولياء الدم. ويستندون إلى قوله تعالى: “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ” (البقرة: 178). وعليه، فإن الأصل هو القصاص، ولكن إذا رضِي أولياء الدم بدفع الدية بدلًا عن القصاص، تصبح الدية واجبة على القاتل.
رأي الحنفية:
يرى فقهاء الحنفية أنه يجوز دفع الدية في القتل العمد، ولكن فقط إذا عفا أولياء الدم أو تصالحوا مع القاتل. ويشترط أن يكون هذا العفو أو التصالح باتفاق بين جميع الأطراف. كما يرون أن العفو قد يكون مشروطًا بالدفع، وفي هذه الحالة يصبح القاتل مطالبًا بدفع الدية.
رأي الظاهرية (ابن حزم):
أما فقهاء الظاهرية فيرون أن لا دية في القتل العمد على الإطلاق. بحسب رأيهم، إما أن يُقتص من القاتل أو يُعفى عنه بشكل كامل دون فرض الدية. ويدللون على رأيهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا دية في القتل العمد، إنما الدية في الخطأ” (رواه ابن ماجه).
ويستدل بذلك أن :
• الأصل في القتل العمد هو القصاص، ولا يجوز فرض الدية إلا إذا عفا أولياء الدم.
• يمكن دفع الدية بدلًا عن القصاص إذا توافق أولياء الدم مع القاتل على ذلك.
• الدية ليست فرضًا إلا بإرادة أولياء الدم، ويظل القصاص هو الحل الشرعي الرئيس.
• في حالة العفو دون طلب الدية، لا يُفرض على القاتل إلا الإثم.
4. التوبة من القتل العمد
رغم خطورة القتل العمد، إلا أن باب التوبة مفتوح للقاتل إذا تاب توبة نصوحًا. وللتوبة شروط تتضمن الندم الصادق، الإقلاع عن المعصية، والسعي لرد الحقوق لأهل القتيل. إذا تم العفو عن القاتل، فإن الله يغفر له، لكن تبقى الحقوق المترتبة على القتل في الدنيا، مثل دفع الدية أو القصاص، قائمة حتى يتم تنفيذها