تحديد جنس المولود بين الطب والدين.. رأي العلماء ودار الإفتاء

في ظل التطور الطبي الهائل الذي يشهده عالمنا اليوم، بات بإمكان الإنسان أن يحدد جنس مولوده قبل الحمل أو في مراحله الأولى من خلال وسائل وتقنيات حديثة، وهو ما يطرح سؤالًا شرعيًا : هل يجوز شرعًا تحديد جنس الجنين؟
أولًا: ما هو تحديد جنس المولود؟
تحديد جنس المولود هو إجراء طبي يتم فيه استخدام تقنيات مثل الفرز الحيوي للحيوانات المنوية أو التلقيح الصناعي مع التشخيص الوراثي المبكرلاختيار جنس الجنين (ذكر أو أنثى) قبل الحمل أو أثناء المراحل الأولى من التخصيب.
ثانيًا: آراء العلماء في حكم تحديد جنس الجنين
1. الجواز بشرط: ترى غالبية من العلماء والفقهاء المعاصرين أن تحديد جنس الجنين جائز شرعًا إذا توفرت عدة ضوابط:
• أن يكون ذلك لغرض مشروع، مثل تجنب الأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين.
• ألا يكون في الأمر اعتقاد بتحدي قدرة الله، بل هو أخذ بالأسباب فقط، والنتيجة بيد الله.
• ألا يؤدي إلى خلل مجتمعي أو تفضيل مخلّ بين الجنسين.
• ألا يتضمن مخالفة شرعية أو ضرر طبي.
أدلتهم الشرعية:
• القاعدة الأصولية: “الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم”.
• قول الله تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ (الشورى: 49)، مع فهم أن السعي بالأسباب لا يناقض الإيمان بالقدر.
2. التحريم المطلق: بعض العلماء ذهبوا إلى تحريم تحديد جنس الجنين مطلقًا، مستندين إلى ما يلي:
• أن فيه تدخلًا في مشيئة الله وسننه في الخلق.
• أنه قد يؤدي إلى خلل سكاني واجتماعي بسبب تفضيل الذكور على الإناث، كما حدث في بعض الدول.
• احتمال إساءة استخدام هذه الوسائل في التمييز ضد جنس معين.
أدلتهم الشرعية:
• قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ (الإسراء: 31).
• مبدأ التسليم الكامل لقضاء الله وقدره وعدم الاعتراض عليه.
3. التفصيل بين الوسائل: بعض الفقهاء فرّقوا بين وسائل تحديد الجنس:
• الوسائل الطبيعية (مثل توقيت الجماع أو النظام الغذائي): لا حرج فيها.
• الوسائل الطبية المتقدمة: جائزة بشروط، وأهمها:
• أن تكون في حالات ضرورية أو لحاجة معتبرة.
• ألا تسبب أذى نفسيًا أو جسديًا.
• ألا تكون مدفوعة بتمييز بين الجنسين
رأي دار الإفتاء في تحديد جنس المولود
أكدت دار الإفتاء أن تحديد جنس الجنين باستخدام الوسائل الطبية الحديثة يجوز شرعًا بشروط وضوابط، إذا كان الهدف منه مشروعًا، ولا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية أو يُفضي إلى مفاسد اجتماعية أو أسرية.
وأوضحت الدار أن الإسلام لا يمنع الاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال، ما دام ذلك لا يؤدي إلى ضرر، مشيرة إلى أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الأخذ بالأسباب الطبية لا يُنافي التوكل على الله، بل هو من باب السعي المشروع.
شروط الجواز كما حددتها دار الإفتاء:
1. أن يكون الغرض مشروعًا ومقبولًا شرعًا
مثل تجنب الأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين، أو لتحقيق نوع من التوازن الأسري إذا كان لدى الأسرة عدد كبير من الأبناء من جنس واحد.
2. ألا يكون في ذلك تفضيل لجنس على آخر
أي ألا يكون بدافع تمييز عنصري أو اجتماعي ضد الإناث – كما هو الحال في بعض الثقافات – لأن هذا يتنافى مع التكريم الإلهي للجنسين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
3. ألا يؤدي ذلك إلى الإخلال بالتوازن السكاني أو إلى ضرر مجتمعي
فلو تحول تحديد الجنس إلى ظاهرة عامة تؤثر على نسبة الذكور والإناث في المجتمع، فإن ذلك يُصبح محظورًا شرعًا لما فيه من مفسدة عامة.
4. أن يتم ذلك تحت إشراف طبي موثوق ووفق الضوابط الأخلاقية والشرعية
أي ألا يُستخدم التحديد الجنسي لأغراض تجارية أو استغلالية، وألا يتم التلاعب بالأجنة أو استخدام طرق محرّمة.
5. ألا يؤدي إلى التخلص من الأجنة المخالفة للرغبة
لأن ذلك يدخل في باب الإجهاض المحرّم، ويُعدّ اعتداء على نفس بريئة
أدعية مأثورة لطلب الذرية الصالحة
1. دعاء زكريا عليه السلام:
“رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” (آل عمران: 38)
2. دعاء إبراهيم عليه السلام:
“رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ” (الصافات: 100)
3. دعاء عام:
“اللهم ارزقني الذرية الصالحة، واجعلها قرة عين لي، وبارك لي فيها، واجعلها من عبادك الصالحين المطيعين لك.”
4. دعاء بأسماء الله الحسنى:
“اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، أن ترزقني ذرية صالحة تكون لي عونًا في الدنيا وذخرًا في الآخرة.