قصة أم الدحداح الأنصارية.. رمز الإيمان والتضحية في صدر الإسلام

لم تكن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مجرّد مشاهدات لأحداث الدعوة، بل كنّ فاعلات، يقدمن الغالي والنفيس لنصرة الدين. ومن بين هؤلاء النساء تتصدر أم الدحداح مشهد العطاء والإيمان، لتكون نموذجًا خالدًا في ذاكرة الأمة.
شريكة في الإيمان والطريق
أم الدحداح، زوجة الصحابي الجليل أبو الدحداح الأنصاري، كانت شريكة حقيقية في درب الإيمان. فقد عاشت مع زوجها مشاعر اليقين بالله، وكانت تملك قلبًا ممتلئًا بالثقة بما عند الله. لم تكن ثروات الدنيا تشغلها، بل كانت تنظر إلى ما هو أعظم: الآخرة، ورضا الله عز وجل.
بستان في الجنة.. ثمنه صدقة في الدنيا
عندما نزلت الآية الكريمة: “من ذا الذي يُقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجر كريم” [الحديد: 11]، لم يتردد أبو الدحداح في التفاعل مع نداء الله، فقرر التبرع بأحب أمواله إليه، وهو بستان جميل كان يحتوي على أكثر من 600 نخلة، بالإضافة إلى بيت صغير تقيم فيه الأسرة.
وبعد أن تصدّق بالبستان، عاد إلى زوجته ليخبرها قائلاً: “يا أم الدحداح، قد أقرضت ربي البستان”. فكان ردها الذي خُلّد في كتب السيرة: “ربح البيع يا أبا الدحداح”.
بهذه الكلمات، كشفت أم الدحداح عن إيمان لا يتزعزع، ويقين راسخ بأن ما عند الله خير وأبقى، وأن من يُنفق في سبيل الله فهو الرابح الحقيقي، لا الخاسر.
درس خالد في البذل والتجرد
موقف أم الدحداح لم يكن فقط تعبيرًا عن قبول ما فعله زوجها، بل كان موقفًا نابعًا من قلبها. لم تسأل عن البديل، ولم تتذمّر لفقدان بيتها أو مصدر رزقها، بل شاركته القرار بإيمان راسخ. كانت ترى أن المال وسيلة، وليس غاية، وأن التضحية لأجل الله لا تُقارن بأي مكسب دنيوي.
هذا الموقف يعبّر عن عمق وعيها الديني، وقوة شخصيتها، وثقتها التامة في أن الصدقة لا تُنقص مالًا، بل تزده، وأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.
رسالة ممتدة عبر الأجيال
اليوم، وبعد أكثر من 1400 عام، لا تزال قصة أم الدحداح تُروى في المحافل، وتُدرّس في المناهج، وتُعرض في الخطب والدروس كأحد النماذج النادرة التي جمعت بين الإيمان والفعل، بين العقيدة والتطبيق، بين النظرية والحياة.
لقد أثبتت أم الدحداح أن المرأة المؤمنة قادرة على أن تكون عنصرًا فاعلًا في بناء المجتمع، ليس فقط بالكلمات، بل بالمواقف والأفعال والتضحيات.
الإيمان هو الربح الحقيقي
في عالم يمتلئ بالبحث عن المكاسب المادية، تُعيد لنا قصة أم الدحداح المعنى الحقيقي للربح: أن تبيع الدنيا من أجل رضا الله. وأن تستبدل بستانًا في الأرض، بجنة عرضها السماوات والأرض. وهكذا، خُلّدت أم الدحداح في التاريخ، كواحدة من أعظم النساء اللواتي “ربحن البيع”